الولايات المتحدة تسلك طريقا محفوفا بالمخاطر في أوكرانيا

  • 3/9/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تتوقع الولايات المتحدة أن تكون حرب روسيا على أوكرانيا طويلة الأمد، وهي مستعدة لمساعدة كييف على المقاومة، غير أنها حريصة في الوقت نفسه على إبقاء النزاع محصورا في هذا البلد وتفادي انتشاره بشكل يتسبب في نشوب “حرب عالمية ثالثة”. وتسعى واشنطن، التي تسلك طريقا محفوفا بالمخاطر، من خلال استراتيجيتها العسكرية للاستجابة للمطلبين؛ وهو ما تعكسه تصريحات المسؤولين الأميركيين العلنية والمقابلات مع العديد من المسؤولين الذين طلبوا عدم كشف أسمائهم. ورأى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال جولة أوروبية أن النزاع في أوكرانيا “قد لا ينتهي قريبا”. وكانت الاستخبارات الأميركية تخشى بالأساس هجوما روسيا خاطفا يؤدي إلى سقوط كييف خلال أيام قليلة. غير أن وزارة الدفاع الأميركية ( البنتاغون) سرعان ما رأت أن الجيش الروسي يسجل “تأخّرا” عن خطته الحربية بسبب مشكلات لوجستية و”مقاومة” أوكرانية “خلاقة” أكثر مما كانت موسكو تتصور. أنتوني بلينكن: الوضع سيتفاقم على الأرجح في أوكرانيا قبل أن يتحسّن ويبدي العسكريون الأميركيون تشاؤما على المدى القريب، معتبرين أن الهجوم الروسي الواسع النطاق ستكون له عواقب على الأرض في نهاية المطاف. وقال مسؤول في وزارة الدفاع إنه “ينبغي عدم التقليل” من شأن “قوة النار” الروسية. وحذّر بلينكن من أن الوضع “سيتفاقم على الأرجح قبل أن يتحسّن”، لكنه رأى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “محكوم عليه بالهزيمة” في أوكرانيا. ويمضي المسؤولون الأميركيون أبعد من ذلك في أحاديثهم الخاصة، فلا يترددون في التأكيد على أن بوتين خسر فعلا، ويعملون على تكييف استراتيجيتهم على هذا الأساس. والأولوية الأولى هي الاستمرار في توفير مساعدات كثيفة للمقاومة الأوكرانية تمكنها من الصمود، حتى لو بدأت المدن تسقط في أيدي القوات الروسية. وأوضح دبلوماسي أن الأميركيين أقاموا نظام “تقاسم معلومات واستخبارات واسع النطاق مع أوكرانيا” يسمح خاصة للدفاعات الجوية بإحباط قسط من الضربات الروسية. وتم حتى الآن تسليم الجيش الأوكراني كمية ضخمة من المساعدات العسكرية غير المسبوقة بقيمة 350 مليون دولار التي أعلن عنها في فبراير، وتضمنت صواريخ “جافلين” المضادة للدبابات وصواريخ أرض – جو “ستينغر”. وتعتزم واشنطن الآن صرف دفعة جديدة ضخمة لا تقل قيمتها عن عشرة مليارات دولار تتضمن شقا اقتصاديا وإنسانيا، إضافة إلى المزيد من الأسلحة والذخائر. وقال مسؤول أميركي كبير إن “لا حدود” للمساعدة العسكرية طالما أنها لا تشتمل على أسلحة ثقيلة. وأكثر ما يخشاه الأميركيون أن يعمد بوتين -في حال اعتبر أنه يواجه “استفزازا”- إلى توسيع بقعة النزاع إلى خارج أوكرانيا، مع مخاطر نشوب مواجهة مباشرة قد تكون نووية مع الولايات المتحدة وحلفائها الأطلسيين. ولذلك يصبح المطلوب الآن -بحسب مسؤولين أميركيين- “احتواء الرئيس الروسي”. ويبقى أكبر خط أحمر بحسب ممسؤول أميركي آخر هو “(أننا) لا نريد حربا عالمية ثالثة”. وكان الرئيس جو بايدن قد حذّر قبل بدء الغزو الروسي من أن أي تدخل مباشر في أوكرانيا سيتسبب في نشوب “حرب عالمية”. وأعطى تعليمات بعدم الدخول في مثل هذا المنزلق، ما يحد من التدخل الأميركي. ولذلك تركز واشنطن جهودها على عمليات نشر القوات بصورة احترازية ورادعة في الدول الحليفة على أبواب روسيا، والتي تلقت زيارة بلينكن ورئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال مارك ميلي. وفي الوقت نفسه يتم استبعاد أي خيار يمكن أن يفسره فلاديمير بوتين بأنه تصعيد كبير، لتفادي أن تعتبر موسكو إحدى دول الحلف الأطلسي “مشاركة” في النزاع في أوكرانيا. وفي حال هاجمت روسيا دولة عضوا في الحلف الأطلسي، فإن كل الدول الأخرى الحليفة -وفي طليعتها الولايات المتحدة- ملزمة بمساعدتها بموجب المادة الخامسة من ميثاق الحلف التي تعهد بايدن بالالتزام بها. وفي هذا السياق ترفض واشنطن والحلف الأطلسي بشكل قاطع فرض منطقة حظر جوي فوق أوكرانيا يطالب بها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بإصرار، إذ أن فرضها يعني أن تكون طائرات الحلف على استعداد لإسقاط مطاردات روسية، ما “يمكن أن يقود إلى حرب شاملة” بحسب بلينكن. وتبدو الولايات المتحدة مترددة في الموافقة على أن تسلّم دول من أوروبا الشرقية مثل بولندا لكييف مقاتلات سوفييتية الصنع يمكن للقوات الأوكرانية قيادتها. وبعدما مانعت إدارة بايدن في الإقدام على ذلك أقرت في نهاية المطاف أمام إصرار أوكرانيا بأنها تدرس المسألة بشكل “حثيث”، دون أن تورد جدولا زمنيا أو تقدم التزاما حازما. ويخشى البعض في الواقع أن تكون هذه الخطوة كافية لتوسيع دائرة النزاع، دون أن تحدث عمليا تغييرا كبيرا في توازن القوى في الجو. لكن إذا كان من المتوقع أن تتصاعد طلبات التدخل بشكل أقوى مع توارد مشاهد ضحايا مدنيين تثير صدمة لدى الرأي العام، فإن المسؤولين الأميركيين يؤكدون عزمهم على الالتزام بهذا الخط المتوازن. وفي الوقت نفسه تواصل واشنطن تشديد الضغط على الكرملين بفرض المزيد من العقوبات على أمل أن يستنتج بوتين أخيرا أن مواصلة الحرب ستكون كلفتها أكبر من كلفة الانسحاب من أوكرانيا. وينبغي في هذا السياق إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة لتأمين “مخارج” له. وأوقف الأميركيون أنفسهم أي اتصالات رفيعة المستوى مع الروس منذ الرابع والعشرين من فبراير، غير أنهم يشجعون أطرافا أخرى على التحدث إلى الرئيس الروسي. وينبغي تفسير الوساطة التي حاولت إسرائيل القيام بها في نهاية الأسبوع الماضي من هذا المنظار، وكذلك المحادثة التي دارت بين بلينكن ووزير الخارجية الصيني وانغ يي الذي لا تستبعد بلاده القيام بوساطة في الأزمة في وقت تشيد فيه بصداقتها “غير المحدودة” مع روسيا.

مشاركة :