بقلم: ميشيل لوبوتي { غالبًا ما يتم ربط الأحداث الجارية حاليا في أوكرانيا، والمواجهة ما بين روسيا من ناحية والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية ثانية، وما قد يترتب عليها من عواقب فعلية ومحتملة على أسعار الطاقة في العالم، بحرب أكتوبر 1973 وما بات يسمى من «أزمة النفط» الناتجة عنها. في الواقع، فقد حدثت أزمة النفط عام 1973. أي قبل فترة طويلة من اندلاع هذه الحرب بين العرب وإسرائيل. كانت منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط (أوبك) قد اتخذت قرارها آنذاك بمضاعفة أسعارها بالفعل ما بين شهري يناير وسبتمبر من سنة 1973. كان الصراع ذريعة لحظر نفطي استمر حتى شهر مارس 1974. حيث شهد العالم ارتفاعا هائلا في أسعار النفط الخام الذي فرضته منظمة أوبك. وحتى من دون تلك الحرب بين العرب وإسرائيل فقد كان من الممكن أن تصل أسعار النفط الخام إلى خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل ذلك بحلول منتصف عام 1974. لقد كان العامل الحقيقي المحفز لتلك الأزمة النفطية الطاحنة وغير المسبوقة في العالم هو أولاً وقبل كل شيء التعطش الجامح للنمو الاقتصادي في البلدان الغنية، والذي يشبعه الاستهلاك المتزايد للطاقة من أي وقت مضى. في مطلع سنة 1973 بدأ القادة الأمريكيون يتحدثون باستمرار عن الحاجة الملحة إلى توفير الطاقة، وقد كان ذلك التعبير شبهَ غائبٍ حتى ذلك الحين عن الخطاب السياسي. ومع ذلك، فقد وصلت الولايات المتحدة إلى ذروة إنتاج النفط التقليدي في نهاية عام 1970. من الضروري استيراد المزيد من النفط الخام من الشرق الأوسط، الذي يكون شحنه أكثر كلفة وأسعاره (التي تحددها منظمة أوبك) مرتفعة بشكل متزايد. كان عام 1973 بمثابة ناقوس الموت لحالة النفط الوفير والرخيص الثمن. كان الحظر الذي فُرض عام 1973 والارتفاع المذهل في الأسعار هما اللذان بعثا بإشارة سياسية قوية وواضحة. كان يجب على دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية آنذاك اعتماد خطط عاجلة من أجل تقنين غير مسبوق لاستهلاك الطاقة في وقت السلم – شملت تلك الخطط فرض قيود على توريد للقطاع الصناعي (المملكة المتحدة)؛ إغلاق محطات بيع الوقود؛ تحديد السرعة على الطرق السريعة؛ فرض معايير درجة الحرارة في المباني العامة (20 درجة مئوية في فرنسا)؛ توعية الرأي العام بضرورة ترشيد الاستهلاك؛ حظر إضاءة المكاتب وإشارات النيون بعد الساعة الـ10 مساءً (فرنسا)؛ توقف البث التلفزيوني في حدود الساعة الـ11 مساءً (فرنسا)؛ حظر القيادة أيام الأحد (سويسرا). كانت تلك الإجراءات ترمي إلى «إزالة النفط» بشكل كبير وليس إلى «إزالة الكربون» من الاقتصاد، واتخاذ مسار معاكس لما كان يسمى التحول إلى كل النفط في «الثلاثين عامًا المجيدة»، التي عرفت مستويات عالية من الرفاه والرخاء في البلدان الغنية. كشفت الأزمة عن ضعف وهشاشة قطاعات بأكملها أمام منتجات الهيدروكربونات، ولا سيما القطاع الزراعي، بسبب تكثيف المكننة، أي استخدام الآلات الزراعية المتطورة (النفط) والأسمدة (الغاز الطبيعي). يتطلب تطوير مصادر الطاقة البديلة إنفاقًا رأسماليًا هائلاً ووقتًا وبحثًا وتطويرًا وجهدًا تدريبًيا كبيرًا وغيرها من المتطلبات الأخرى. في فرنسا تم تكثيف نشر الطاقة النووية وفق الخطة التي تم إعدادها منذ فترة حكم الرئيس الأسبق شارل ديغول، وهو ما أسهم في انخفاض مذهل في معدلات استهلاك زيت الوقود لإنتاج الطاقة الكهربائية. لقد ثبت أن تحويل الفحم الحجري إلى نفط –وهو الأسلوب الذي استخدمته ألمانيا النازية في عهد حكم أدولف هتلر- غير مربح للغاية كما كان من المتوقع استخراج الغاز الصخري نهاية الستينيات في الولايات المتحدة. أدت الأبحاث العلمية التي أجريت بعد ذلك حول «تقنية التصدع» (عن طريق الانفجار النووي تحت الأرض، أو التفجير التقليدي أو الحقن الهيدروليكي)، في عام 2010. إلى تحقيق «المعجزة» الأمريكية في قطاع الغاز - ثم النفط - من الصخر الزيتي. كانت الوكالة الدولية للطاقة، التي تم إنشاؤها في نوفمبر 1974. مسؤولة بشكل أساسي عن الإشراف على مخزونات النفط الاستراتيجية لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والتي شجعت أعضاءها على اعتماد «حسابات الطاقة الوطنية» لتقييم تأثير السياسات المعتمدة والسماح بمراقبة برامج توفير الطاقة في القطاعات المختلفة (النقل، البناء، إلخ...). بالتوازي مع تلك الإجراءات والسياسات، تم فرض معايير قوية على قطاع صناعة السيارات، لصالح المركبات الصغيرة الأكثر رصانة في الاستهلاك، كما تم توفير الدعم لتركيب التدفئة والعزل الحراري في المساكن. في عام 1974. نفذ بنك فرنسا برنامجا للسياسة النقدية غير التقليدية وقد كان ذلك البرنامج موجها نحو التحول الذي يقوم على خفض الاعتماد على النفط في قطاع الصناعة قبل أن يتم تطبيق ذات البرنامج أيضا على قطاع البناء. كانت البيئة هي الضحية الجانبية للأزمة! في حين تم التعبير عن المخاوف البيئية بقوة في النقاش العام في نهاية الستينيات، وبينما بدأ العمل الرائد في تصميم تأثير احتراق الوقود الأحفوري على المناخ، فإن أول صدمة نفطية سرعان ما أعقبتها صدمة نفطية ثانية عام 1979. وهو ما أدى إلى إبعاد تلك الموضوعات من جدول الأعمال. أدى انخفاض الأسعار، خلال صدمة النفط المضادة التي حدثت في فترة الثمانينيات إلى تحسين كفاءة سياسات الاعتدال والترشيد التي روجت لها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. أدت أزمة النفط التي حدثت في فترة السبعينيات إلى انتصار «آيديولوجية السوق الشاملة»، والتي تجاهلت بشكل أساسي الدور المركزي للطاقة والتي أثبتت عدم قدرتها على مواجهة التحدي الأكبر الذي يواجه البشرية اليوم: إنه خطر تغير المناخ. { الكاتب باحث مشارك في التاريخ الاقتصادي في المختبر متعدد التخصصات لطاقات الغد (جامعة باريس - 7) لوموند
مشاركة :