تاريخ عريق تحكيه الصخور نقوش المدينة المنورة

  • 3/11/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تسابق هيئة التراث الزمن إلى اكتشاف أعداد أكبر من الفنون الصخرية والنقوش الكتابية، الموجودة في مختلف المناطق والمحافظات تنفيذاً لمبادرة «نقوش السعودية» التي أعلن عنها مؤخراً سمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وزير الثقافة، رئيس مجلس إدارة هيئة التراث حيث تستهدف المبادرة تسليط الضوء على النقوش والمنحوتات الصخرية حول البلاد بمساعدة المواطنين والمقيمين في عموم المناطق، والعمل على تسجيلها وتوثيقها في سجلاتها، مع ما يرتبط بذلك من دراسات وأبحاث علمية حول عمر هذه الاكتشافات الأثرية ومعانيها ودلالاتها التاريخية. وتعد المدينة المنورة من أهم مناطق المملكة غنى وثراء بالنقوش الأثرية القديمة التي يعود بعضها إلى بدايات القرن الأول الهجري، وتنوعت نصوصها بين أبيات شعرية، وآيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وعبارات وعظية، وأدعية، وأسماء أشخاص، وغيرها من النقوش.وتتداخل الكتابات والنقوش القديمة في كثير من الأحيان مع الرسوم الصخرية إما متزامنة معها أو نفذت بعدها على الواحات الصخرية نفسها وقد شاهدنا ذلك في الحناكية ووادي الصويدرة والعلا وشمال مدائن صالح وعلى امتداد طرق التجارة والحج التي تخترق المنطقة، وأهم هذه الكتابات اللحيانية والراداثية والمسند الجنوبي والآرامي والكتابات الثمودية والصفوية وغيرها، وأكثر هذه النقوش والكتابات تتركز في الجزء الشمالي الغربي وعلى وجه الخصوص في محافظة العلا وشمال مدائن صالح خاصة في حرة عويرض، هذا عدا المواقع المحيطة بالمدينة المنورة. نقوش إسلامية من الأودية إلى سفوح الجبال وتملك المدينة المنورة العديد من النقوش الأثرية القديمة والتي يعود بعضها إلى بدايات القرن الأول الهجري، وتنوعت النقوش بين آيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية والأبيات الشعرية وعبارات وعظية وأسماء أشخاص وغيرها من النقوش، ويوجد العديد منها على سفوح الجبال وفي الصخور وعلى ضفاف بعض الأودية داخل المدينة وفي القرى التابعة لها. حيث تظهر غالبية اعتمادها على الخط المدني في ذلك الوقت لرسم النقش. وتدل تلك النقوش على انتشار العلم والكتابة في تلك الحقبة الزمنية بين أفراد المجتمع. مما يدل على عراقة الحضارة الإسلامية وانتشار تراثها والمحافظة عليه حتى وقتنا الحاضر، ومن جملة النقوش نقوش لعوائل اشتهرت بالنقش في بعض الأمكنة، كآل البيت وآل عمر بن الخطاب وآل الزبير بن العوام وبني أزهر -رهط عبدالرحمن بن عوف- وكما تضمّّنت أيضاً لقبائل كجهينة وأسلم ونقوشاً لنساء بجانب نقوش رجالهم حيث تظهر غالبية النقوش الاعتماد على الخط المدني في ذلك الوقت لرسم النقش وحفره على الصخور، والعناية برسم حروفه والحفاظ على مستوى تباعدها بدقة، كما توحي بانتشار الكتابة والقراءة والتعلّم بين أفراد المجتمع المدني، ما يعدّ بمثابة دلائل مادية محسوسة على عراقة الحضارة الإسلامية وانتشار تراثها النفيس، والعناية به حتى وقتنا الحاضر. آثار ما قبل التاريخ أثبتت الدراسات المبدئية عن وجود مواقع أثرية تعود إلى العصر الحجري القديم المبكر وما بعده خاصة من حرة خيبر والذي يتميز بوجود مجموعات من الأدوات الحجرية من العصر الأشولي حيث عثر على فؤوس وقواطع ومعاول وأدوات الطرق الكبيرة والتي تؤرخ في الفترة ما بين (250 إلى 100 ألف سنة ) قبل الآن، وتوجد هذه الأدوات عند الحواجز الصخرية وفي مناطق انسياب الحمم البركانية التي تتشكل من صخور البازلت المحببة وصخور الأنديسيت والريوليت التي تعد مصدراً لمواد تصنيع الأدوات الحجرية، وعثر على مواقع أخرى في حرة خيبر وشمال العلا ومدائن صالح وعلى الحافة الشرقية لحرة عويرض تعود للعصر الحجري الحديث والعصر الحجري النحاس والعصر الحجري المبكر، كما تم العثور على عشرات من المقابر الركامية والمذيلات والدوائر الحجرية والمستطيلات والأبراج التي تدل على وجود استقرار بشري قديم من هذه المناطق ذات التضاريس السطحية الوعرة، وبالإضافة إلى المنشآت البنائية لهذه العصور توجد مئات من الرسوم الصخرية المنتشرة في مختلف أرجاء منطقة المدينة المنورة وتشكل مصدراً معلوماتياً مهماً عن الحياة والبيئة للإنسان من أقدم العصور. صخور الحناكية.. عراقة 7 آلاف سنة ومن أبرز المواقع الغنية بالرسوم الصخرية الحناكية، الصويدرة، العلا، وشمال مدائن صالح، ومناطق أخرى متفرقة، وتعد صخرة الحناكية - حوالى 10 كيلومترات شرق مدينة الحناكية - من أهم مواقع الرسوم الصخرية بالمنطقة، وهي عبارة عن جبل مكون من صخور حمراء رسوبية التكوين على واجهات مجموعات لرسوم حيوانية متنوعة ورسوم آدمية رجالاً ونساء على شكل مجموعات يؤدون رقصات حربية أو ذات مغزى ديني، أما الرسوم الحيوانية فتتكون من أبقار ذات قرون كبيرة مقوسة تمتد إلى الأمام بالإضافة إلى الأسود والفهود والماعز والنعام والزرافات وغيرها، ومن خلال الطبيعة الصخرية وتنفيذ الرسوم يمكن تحديد تاريخ هذه الرسوم إلى الفترة من (9000 - 7000 عام) من الآن. وتوضح الرسوم كذلك أشكالاً عديدة من الحيوانات كالجمال في حالات العراك أو مربوطة وكذلك الوعول والماعز وغيرها، وفي موقع عكمة شمال العلا توجد رسوم صخرية مهمة للغاية حيث تظهر فيها أدوات موسيقية ربما تعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد. موقع رواوة .. الأغنى نقوشا ويعد موقع رواوة (50 كيلومتراً جنوب المسجد النبوي الشريف) على طريق الهجرة من أهم المواقع الأثرية وأغناها نقوشاً فالموقع عبارة عن مكتبة متكاملة من النقوش الإسلامية في مجملها تؤرخ للقرن الأول الهجري حتى منتصف القرن الثالث وبعض الأسماء يتصل في نسبها إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. المغذوي: ثلاثة آلاف نقش تعود لحقب زمنية عديدة شدد الخبير والباحث المهتم باستكشاف الآثار والنقوش الإسلامية المبكرة بمنطقة المدينة المنورة محمد بن عبدالله الرثيع المغذوي على أهمية توثيق آثار المدينة المنورة وباديتها ودراستها ونشرها ضمن التاريخ الإسلامي العريق، باعتبار أن هذا القدر الوفير من النقوش الإسلامية المبكرة التي تم اكتشافها في صخور المدينة المنورة يعزّز إمكانية دراسته الخط المدني، والظواهر الكتابية فيه، ومراحل تطوره عبر هذه الحقبة الزمنية المبكرة من صدر الإسلام، مشيراً إلى أن المدينة المنورة تكتنز نحو ثلاثة آلاف نقش تعود لحقب زمنية عديدة. وبيَّن أن معظم ما تم اكتشافه هي نقوش لآيات من القرآن الكريم، ونقوش في الوعظ، وفي الدعاء، والوصية، تستند جميعها على أحاديث صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ونقوش في الرسائل، والشعر، والأخبار، وأخرى توثيقية لملكية أرض أو مجلس أو منزل، أو عين ماء، أو بئر، ومنها نقوش تعريفية لأصحابها. وأفاد أن أهم ما يميّز هذه النقوش الإسلامية المبكرة، ويعطيها قيمة تاريخية أنها كتبت بالخط المدني الذي كتب به القرآن الكريم، والرسائل النبوية، وغيرها، في القرن الأول الهجري، وفي نصوصها موافقة للكتاب والسنة النبوية الصحيحة، وأن جُلّ أصحابها هم من سكان المدينة، أو ممن يتردد عليها كثيراً، مضيفاً أن هذه النقوش يعود تاريخها إلى الفترة الزمنية ما بين القرن الأول والرابع الهجري، فيما يوجد بعض من تلك النقوش المكتشفة لم يتم التحقّق من زمن تدوينها حيث لم يتم العثور على ترجمة لناقشيها في المصادر التاريخية. المدني: التوثيق يكون من خلال المسوحات الميدانية أوضح مدير فرع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بمنطقة المدينة المنورة فيصل بن خالد المدني أنه منذ إنشاء دائرة الآثار في ثمانينيات القرن الهجري الماضي حرصت الدولة على توثيق ودراسة المواقع الإسلامية وترميمها والاهتمام بها، وازداد الاهتمام بها بعد انضمام قطاع الآثار للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، حيث تم إطلاق برنامج للعناية بمواقع التاريخ الإسلامي، يهدف إلى حصر وتوثيق ودراسة المواقع الإسلامية والنشر عنها، كما صدر عدد من الأوامر السامية الكريمة بأهمية المحافظة على تلك المواقع بالتعاون والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، ما يؤكد حرص واهتمام القيادة الرشيدة بتراث المملكة ومكوناته الحضارية. وحول آلية توثيق النقوش الإسلامية المكتشفة أفاد المدني أن التوثيق يكون من خلال المسوحات الميدانية التي تقوم بها فرق الهيئة بشكل مستمر، حيث تعمل على البحث عن المواقع ودراستها وتوثيقها توثيقاً علمياً، وتسجيلها في سجل الآثار الوطني بقطاع الآثار والمتاحف بالهيئة، بالإضافة إلى نشر الدراسات العلمية عنها بالتعاون مع الجامعات الدولية والمحلية والمجلات العلمية ودور النشر المختصة، علاوة على إعداد الأفلام الوثائقية وبثها عبر وسائل الإعلام المتنوعة، كما تستقبل الهيئة من خلال جميع قنوات تواصلها بلاغات المواطنين عن أماكن وجود الآثار والنقوش وتقوم بالوقوف عليها وحمايتها. وبشأن وجود إحصائية رسمية تتعلق بعدد النقوش الإسلامية المكتشفة في منطقة المدينة المنورة، قال: حرصت الهيئة منذ نشأتها على إنشاء سجل للآثار الوطني يوثّق جميع المواقع الأثرية والتراثية وأماكن تواجدها وكل تفاصيلها، فقد بلغت المواقع الأثرية المسجلة في منطقة المدينة المنورة أكثر من (1382) موقعاً حتى مطلع هذا العام 1440هـ، وما تزال المواقع تكتشف وتسجل خصوصاً النقوش الإسلامية والرسومات الصخرية نظراً لانتشارها في جميع أرجاء المدينة المنورة وبكافة طبائعها الجغرافية. وبيّن أن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني قامت منذ تأسيسها على حماية مواقع التراث الوطني من خلال التسوير والحماية وجولات مراقبي الآثار الدورية، بغية الحفاظ عليها من التعديات والامتداد العمراني والزراعي، كما تعمل الهيئة مع الجهات المختصة لضبط كل متعدٍ على الآثار، وتطبيق ما جاء في نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني بشأن المخالفين، بالإضافة إلى تعاونها مع الجهات الحكومية الأخرى في حماية الآثار وتجنب إزالتها أو الضرر بها إلا بعد الرجوع للهيئة وهي الجهة المختصة.

مشاركة :