«أيام الشارقة التراثية» تستعرض مفاتيح التطوير والاستدامة

  • 3/16/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أكد الدكتور نجيب عبدالله الشامسي وخبيرة التراث فاطمة المغني أن التراث الإماراتي يمتلك المقومات اللازمة ويحمل المفاتيح الضرورية التي تمكنه من تحقيق متطلبات التطوير والاستدامة اللازمة لضمان الانتقال إلى المستقبل والوفاء باستحقاقاته المختلفة. وجاء ذلك خلال جلسة التراث الإماراتي.. التطوير والاستدامة وأفق المستقبل، ضمن الجلسات الثقافية والفكرية التي يحتضنها المقهى الثقافي لمهرجان «أيام الشارقة التراثية» في دورتها ال 19 والتي تستمر حتى 28 مارس الجاري في ساحة التراث بمنطقة قلب الشارقة. تشارك فيها 33 دولة عربية وأجنبية و28 جهة حكومية اتحادية ومحلية، فضلاً عن 12 منظمة دولية مشاركة في هذا الحدث السنوي الذي تقام فعالياته أيضاً في الذيد وكلباء وخورفكان ودبا الحصن والحمرية.استهل الدكتور نجيب الشامسي الجلسة التي أدارها محمد حمدان من إدارة المحتوى والنشر في المعهد، بالحديث عن التراث وعلاقته بالهوية وتجلياته في الأنساق الحياتية الحديثة، وكيفية تقييم حضوره في عالم اليوم، وأثار تساؤلات عن آفاق الاستفادة من التراث الإماراتي بشقيه المادي واللامادي، وعن أنجع الطرق لجعله مواكباً لسيرورة الحياة اليومية ومتطلبات المستقبل مع الحفاظ على خصوصيته وطابعه المميز. وجاءت مقاربة الشامسي لموضوع الجلسة من منظور اقتصادي انطلاقاً من العلاقة الوثيقة والمتبادلة بين الثقافة ومكوناته مع الاقتصاد واحتياجاته، وهو ما أدركه العديد من دول العالم المتقدمة باعتمادها على الثقافة أو التراث تحديداً كمنتج حضاري يجلب عائدات اقتصادية كبيرة، ويعزز من عناصر التنمية الشاملة، بالاعتماد على مزايا الثراء والعمق في البيئات المحلية. وأضاف أن الموروث الشعبي الإماراتي وعاء ثقافي غني ينطلق منه الفرد للحفاظ على هويته الذاتية وشخصيته المتميزة ولترسيخ إدراكه ووعيه إزاء مسؤولياته أمام المجتمع وأفراده. وأشار الشامسي إلى أن السائح يبحث دائماً يبحث عن الجديد والنادر والخاص غير الموجود في بلده الأصلي أو البلاد الأخرى، فنجده ينقب عن أصالة المكان أو المبنى الذي يزوره، وهذا ما جعل العديد من العواصم العالمية تنجح في تحقيق شهرتها ونهضتها من خلال إبراز خصوصيتها التراثية. وأكد الشامسي أن الاهتمام بالمناطق التراثية وترميمها وصيانتها، بالإضافة إلى ما تعززه من تكريس للهوية وحفاظ على الانتماء، يتيح حركية اقتصادية تخدم في المقام الأول السكان وتحفزهم على التمسك بعاداتهم وتقاليدهم، والتي كان البعض منهم يظنها موروثات عفا عليها الزمن ويجب تجاوزها. والمثال الأكبر على استعادة مكانة التراث يتجسد في إنجازات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ومنها إنشاء وإحياء الأسواق القديمة والمباني والمناطق التراثية وعقد المعارض الثقافية والأدبية والمسرحية والأيام التراثية السنوية، ما جعل الإمارة الباسمة تملك وجهات عديدة ومتنوعة تجذب الباحثين والمتتبعين للشأن التراثي والثقافي والفني. وقالت فاطمة المغني في مداخلتها: إن فعاليات أيام الشارقة التراثية باتت ملتقى ينتظره الجميع، لما تحمله من مفردات تراثية جميلة تعزز مكانة الشارقة كمنصة حية ومتفاعلة لاستقطاب وعرض التراث المحلي والعالمي. وأكدت أن التراث الإماراتي موروث عميق وضارب في القدم من حيث الجذور والتاريخ، وأن شعار نسخة هذا العام يعكس آفاق المستقبل التي تتمسك الشارقة بأطرافها من خلال اعتزازها بالتراث وتطويره للأجيال القادمة، سيراً على نهج المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، في اعتزاز الدولة وقياداتها بتراث الأجداد والحرص على نقله بأمانة وحب إلى الأبناء والأحفاد ليظل محفوراً بالذاكرة أمام عاديات العولمة والوسائط الرقمية. وعن بداية اهتمامها بحفظ التراث الإماراتي وتدوينه قالت فاطمة المغني إنها أحست مبكراً بضرورة نشر تراث الأجداد وما يتعلق منه بالمرأة الإماراتية، فسلطت الضوء على بعض المهن والحرف القديمة التي تميزت بها بنت الإمارات وأتقنتها وما صاحبها من أساطير وحكايات، مستعرضة بعض الأمثلة كمهنة «الداية» وطحن الحبوب بالرحى، واستخدام الحناء في استخدامات مختلفة. وأكدت أن العلاقة بين الرجل المرأة في المنزل الإماراتي القديم اتسمت بالثقة والتقدير، وكانت للمرأة جهود جليلة في مساعدة الزوج إزاء أعباء البيت والحياة ودعم البيئة المحيطة والمجتمع من حولها. وأشارت إلى أن الشارقة تعتبر مثالاً ناجحاً في القدرة على نمذجة التراث في الواقع الإماراتي من خلال أسواقها القديمة ومبانيها التراثية التي باتت أيقونات ناصعة في هذا الجانب، مؤكدة أن هذا الاهتمام أثمر عن توجهات جديدة لدى الشباب الإماراتي من خلال إقباله على إطلاق وتأسيس المشاريع التجارية الخاصة من دون الاعتماد على الوظائف الحكومية الثابتة. ووجد بعضهم ضالتهم في الأسواق الشعبية والتراثية التي تجلب لهم عوائد مالية جيدة مثل تجارة العسل والبخور سواها. ودعت المغني إلى تعزيز ودعم المنتجات الإماراتية من خلال تأهيل الشباب للعمل في الميدان، وهي مسؤولية حكومية ومؤسسية مشتركة، فهناك الكثير من الفرص القابلة للدعم في مجالات الكحل والسدو والقهوة والتمور والملابس التقليدية. ميراث الأجيال ضمن الفعاليات المصاحبة في المقهى الثقافي، شهد الجمهور توقيع وإطلاق كتاب «ميراث الأجيال في دبا الحصن» للكاتب الإماراتي راشد محمد بن عبود، والذي سبر من خلاله أغوار التراث العريق لهذه المدينة المتكئة على أطراف الساحل الشرقي لدولة الإمارات، وتمتلك تاريخاً موغلاً في القدم والأصالة. ويتناول المؤلف في كتابه الثري، مفردات ومعلومات عديدة مرتبطة بمهنتي الغوص والصيد ومصطلحاتهما وأدواتهما، بالإضافة إلى الصناعات والحرف، والتعرف على مجتمع أهل البحر وأهازيج البحارة ومواويلهم وحياة الصغار ورحلات الأسفار والألعاب الشعبية والطيور، وسواها من تفاصيل الموروث الثقافي والشعبي الإماراتي العطر. السدو حرفة إنسانية في محاضرة استضافها جناح التراث العربي، تحدث الدكتور وليد حمد السيف ممثل دولة الكويت في اتفاقية «اليونيسكو» لصون التراث الثقافي غير المادي، ومستشار جمعية السدو التعاونية الكويتية حول ملف السدو المشترك بين الكويت والسعودية والمدرج في القائمة التمثيلة للتراث الثقافي العالمي غير المادي لدى المنظم. وشرح السيف الإجراءات التي قامت بها الدولتان لإعداد البيانات والمعلومات المرتبطة بحرفة السدو في الملف المشترك ووفق الضوابط والشروط المعتمدة في هذا الشأن على ضوء اتفاقية «اليونسكو» للتراث الثقافي غير المادي، ومن ثم رفعه إلى المنظمة خلال الأعوام 2017 - 2019، حيث عملت بدورها على تقييم الملف ثم اعتماد الملف رسمياً بعد تمريره على لجنة الخبراء والموافقة بعد ذلك على إدراج ملف السدو ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي في نهاية عام 2020. وتحدث السيف عن المهارات الخاصة التي تتطلبها حرفة السدو، معتبراً أن أهل الحرفة وغالبيتهم من النساء، هم الأقدر والأقرب لصون هذا التراث والتدريب عليه ونقله إلى الأجيال الجديدة، باعتباره حرفة إنسانية برزت لتلبية احتياجات الحياة الضرورية في البيئة البدوية القديمة التي اعتمدت على الجِمال والأغنام في كسب قوتها وفي البحث عن مواطن الماء والعشب. وهذا ما أتاح لهم الاستفادة من أصواف هذه الماشية في صنع بيوت الشِعر والملابس والأغطية والمساند وسواها من الاحتياجات، لافتاً إلى أن السدو منتج يتشابه تكوينه فيما بين دول الخليج ولربما اختلف من حيث النقوش المطرزة عليه. وقد ومرت هذه الحرفة بمراحل تطور كثيرة على مدى الأزمان، مع دخول الأصباغ الصناعية بدلاً من الأصباغ الطبيعية سابقاً. وأوضح أن بعض الأنواع من السدو عالية الجودة تعتبر الآن قطعاً تراثية ومتحفية نادرة وذات قيمة باهظة الثمن، ويُقبل المهتمون على شرائها واقتنائها، معرباً عن إشادته بدولة الإمارات التي كان لها قصب السبق في تسجيل مكونات تراثها الثقافي والإنساني في قائمة «اليونسكو»، ما يعكس مدى اهتمام القيادة الرشيدة في الإمارات واعتزازها بالموروث الإماراتي الأصيل الذي تكونه منظومة واسعة من العادات والتقاليد والأهازيج والأغاني والرقصات والأمثال والشِعر وسواها. كما أثنى السيف على جهود معهد الشارقة للتراث والقائمين عليه والعاملين فيه، لتحقيق توجهات وتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في حفظ التراث وصونه هويته، ما جعلهم يعملون كخلية نحل لضمان راحة ضيوف المهرجان وإسعاد زواره وتنويع فعالياته. علم الموسيقى العرقي من جانبه تحدث علي العبدان مدير إدارة التراث الفني بمعهد الشارقة للتراث والباحث في الموروث الشعبي حول معايير البحث الأكاديمي في علم الموسيقى العرقي، وذلك ضمن سلسلة محاضرات البرنامج التعليمي والأكاديمي في البيت الغربي خلال الجلسة التي أدارتها وفاء داغستاني. وأشار إلى أن علم الموسيقى العرقي أو الإثني أو ما يطلق عليه علم موسيقى الشعوب يُدرس من جوانب ثقافية واجتماعية للأشخاص الذين ينتجونه، وفق أساليب نظرية ومنهجية تمتاز بالتركيز على الأبعاد والأنساق المرتبطة بالسلوك الموسيقى من النواحي الثقافية والاجتماعية والمادية والإدراكية والبيولوجية المختلفة. وأوضح أن هذا العلم عبارة عن المعرفة بموسيقى العالم ثقافياً ومعرفة كيفية ولماذا ينتج الناس الموسيقى، وهو ما يكمل علم الأنسنة لمعرفة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تصاحب تطور الموسيقى، وهو ما يدفعنا إلى المضي قدماً في معرفة ودراسة وضع هذا العلم في العالم العربي والوقوف على تطبيقاته، ومن ثم فهم التغيرات التي طرأت على فنوننا الشعبية. وتابع: إن هذا العلم يناقش أيضاً علاقة المرأة بالموسيقى، وعلاقة الأعراق الأخرى بهذا الفن، وبالمناسبة الوطنية وأثره في توحيد المجتمع، وإفادته خلال الأزمات المختلفة ومن ضمنها الجوائح والأوبئة. واختتم العبدان محاضرته بالحديث عن المناهج المستعملة في هذا العلم كالمنهج التطوري والانتشاري والوظيفي والبنيوي، ثم عرض مقارنة بين الآلات الموسيقية وتصنيفها وفق معايير محددة كجانب من اهتمامات هذا العلم. ورشة الفسيفساء ضمن فعاليات التراث العربي وضمن سلسلة الورش التدريبية الموجهة للأطفال والعائلات، قدم نجيب خروبي من تونس ورشة حول مهارات التركيب بالفسيفساء أو الموزاييك. تضمنت رسم عدة لوحات تشكيلية بالفسيفساء بالاعتماد على الممحاة لتعويد الطفل على التركيز في التعامل مع القطع الصغيرة والأشياء المهملة وإعادة استخدامها لصناعة اللوحات الفسيفسائية الفنية الجميلة. إذ إن تعلم الفنون التشكيلية وممارستها مصدر مهم لإعداد الطفل للمستقبل وتطوير مهاراته الإبداعية وخياله وتفكيره وتحصيله الدراسي من خلال تعزيز قدرات التركيز والتفكير لديه، كما يعمل على استثمار وقت فراغه وراحته بالنافع والمفيد وبمشاركة أفراد الأسرة.

مشاركة :