بعث سفير الولايات المتحدة ومبعوثها إلى ليبيا ريتشارد نورلاند بإشارات واضحة مفادها أن بلاده تدعم الوساطة التركية لنزع فتيل الأزمة بين رئيس حكومة الاستقرار الجديدة برئاسة فتحي باشاغا ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة والذي يرفض تسليم السلطة. وقال السفير الأميركي في تصريحات أوردتها قناة “الحدث” السعودية إنه على علم بوجود فكرة لعقد تلك المحادثات، لكن لم يتم تحديد مقرها حتى الآن. وأضاف نورلاند أن “فتحي باشاغا دُعي إلى محادثات في تركيا، وأن الولايات المتحدة تؤيد تلك المحادثات”، لكنها ليست مبادرة أميركية وفق قوله، مشيرا إلى أن “مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز عبرت عن عزمها لعب دور مسهّل في تلك المرحلة”. وكانت مصادر سياسية ليبية قد كشفت لـ”العرب” مؤخرا رفض الدبيبة لوساطة تركية بينه وبين رئيس الحكومة الجديدة في محاولة لتجنيب دخول العاصمة طرابلس حيث مقر الحكومة في أتون حرب جديدة. وأضافت المصادر المقربة من رئيس الحكومة الجديدة أن “الأتراك لم يعرضوا بعد فحوى الوساطة وأنهم سعوا مبدئيا للحصول على موافقة الطرفين، لكن الدبيبة رفض وأصر على الخيار العسكري في حين قبل فتحي باشاغا بالوساطة التركية”. الأتراك عرضوا وساطة وسعوا للحصول على موافقة الطرفين لكن الدبيبة سبق وأن رفض في حين قبل باشاغا وتشير الوساطة التركية إلى اعتراف أنقرة بحكومة باشاغا ما يعني نهاية حكومة الدبيبة، وهو الأمر الذي يدركه، لذلك رفض الوساطة، ما يعني أنه اختار المواجهة العسكرية. وعقد نورلاند مؤخرا مباحثات مع باشاغا في العاصمة تونس كاشفا عن محادثات مرتقبة بين رئيس الحكومة الجديدة ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها والذي يصر على أنه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة من قبل البرلمان القادم رغم أن عهدة حكومته انتهت في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي حيث كان من المقرر إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية فشل في إنجازها. ويكتسي موقف تركيا أهمية خاصة حيث يرجح مراقبون أن يكون حاسما في النزاع بين حكومتي باشاغا والدبيبة خاصة وأن بقية الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي، مصر وروسيا، تدعمان باشاغا. ويرى مراقبون أن هناك عدة عوامل ترجح كفة باشاغا في مواجهة الدبيبة، حيث سبق وأن قالت مصادر لـ”العرب” إن “أطرافا إقليمية ودولية أعربت للسلطات الليبية عن خشيتها من إغلاق الموانئ والحقول النفطية في منطقة شرق ليبيا احتجاجا على رفض الدبيبة تسليم مقاليد الحكومة لمنافسه فتحي باشاغا، ولاسيما في ظل الوضع المضطرب الذي تشهده الأسواق العالمية نتيجة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا”. ولدى أنقرة قوات ومرتزقة على الأرض وذلك بعد أن قدمت دعما عسكريا وتدريبا لحكومة الوفاق الوطني السابقة التي شغل فيها باشاغا منصب وزير الداخلية، وساعدتها في صدّ هجوم استمر عدة أشهر على العاصمة طرابلس من قبل الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبدى في تصريحات سابقة حيادا تركيّا بشأن الصراع على السلطة بين باشاغا والدبيبة، وهو ما اعتبر تراجعا تركيًّا عن دعم ما يسمى بـ”حكومة الوحدة الوطنية”. وقال أردوغان حينئذ “أعلن فتحي باشاغا ترشحه. علاقاتنا معه جيدة. من ناحية أخرى، العلاقات طيبة أيضا مع الدبيبة”. ويقول مراقبون إن من مصلحة تركيا اليوم دعم التوافقات الليبية خاصة في ظل أجواء التهدئة التي تحيط بالمنطقة بعد المصالحة مع الإمارات ومساعي تسوية الخلافات مع مصر. دعم حكومة باشاغا يعني تمدد النفوذ الاقتصادي التركي إلى الشرق والجنوب وكسب موقف ليبي موحد بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية ويرى هؤلاء المراقبون أن دعم حكومة باشاغا يعني تمدد النفوذ الاقتصادي التركي إلى الشرق والجنوب وكسب موقف ليبي موحد بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي لقيت سابقا رفضا من قبل البرلمان، وهو ما سيعزز موقف أنقرة أمام اليونان، أما مساندة الدبيبة فتعني انحصار النفوذ في المنطقة الغربية حيث القواعد العسكرية التركية. ويتعزز موقف باشاغا بالدعم الروسي لحكومته المكلفة من قبل البرلمان وهو ما سيجعل تركيا إما تسير نحو الاستمرار في اتباع الحياد إزاء الأزمة الراهنة لإنجاح وساطتها أو التوافق مع موسكو في دعم رئيس الحكومة الجديدة. وأكدت وزارة الخارجية الروسية الأربعاء أن موسكو وأنقرة تساهمان بشكل كبير في الحفاظ على الهدنة بين القوى المتصارعة في ليبيا. وجاء ذلك في أعقاب إعلان وزارة الخارجية الروسية عن جدول أعمال زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى موسكو الأربعاء لإجراء محادثات مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. وقالت الخارجية في بيان لها إن لافروف وجاويش أوغلو سيركزان على إيجاد طرق لمواصلة إقامة حوار سياسي شامل وإعادة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والحياة العامة في ليبيا إلى مسار سلمي ومستقر.
مشاركة :