تحقيق إخباري: العقوبات الاقتصادية والأوضاع المعيشية الصعبة في سوريا تحد من عمل الجمعيات الخيرية في رمضان

  • 4/20/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إلى وقت ليس ببعيد كان السوريون يحتفون كثيرا بشهر رمضان الكريم، ويتفننون بإعداد الأطعمة والأكلات الشعبية والتقليدية التي تطبخ في هذا الشهر الفضيل، وكانت الجمعيات الخيرية والمبادرات الأهلية التي تطلق، تتنافس لتقديم كل ما هو جيد ومناسب للأسر المحتاجة من طعام وشراب، وكانت الطقوس الرمضانية حاضرة في عموم المناطق السورية. ولكن اليوم، مع استمرار سنوات الحرب المدمرة، وتضييق الخناق على حياة السوريين بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية الجائرة، يبدو أن المشهد قد تبدل كثيرا، وانقلب الحال، وبات صعبا على غالبية الناس تأمين الطعام المتنوع، الذي كان حاضرا على الموائد الرمضانية قبل سنوات، وأصبحت الموائد تقتصر على صنف واحد أو أكثر في أحسن الأحوال. وهذه الظروف الاقتصادية الصعبة امتدت لتشمل مختلف الشرائح الاجتماعية، وتطال عمل الجمعيات الخيرية، والمبادرات الأهلية التي كانت تتسابق لتقديم المساعدات الإنسانية للأسر المحتاجة، لتصبح تعاني حاليا من شح في تأمين المواد الغذائية، بالإضافة إلى اتساع شريحة الناس المحتاجة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية لغالبية الناس، وغلاء أسعار السلع التموينية، وصعوبة تأمين الغاز المنزلي لطهي الطعام للأسر التي كانت تعول كثيرا على أهل الخير والجمعيات الخيرية. وأفرزت الحرب على سوريا واقعا اقتصاديا صعبا، لكن العقوبات الأمريكية الجائرة على سوريا تركت آثارا سلبية كبيرة، وفاقمت من مأساة السوريين، وجعلت نسبة من هم تحت خط الفقر تصل إلى أكثر من 90 %، بحسب إحصائيات أممية. وقدر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90 % من إجمالي عدد سكان البلاد. وأقر مجلس النواب الأمريكي بالإجماع في يناير 2019 "قانون حماية المدنيين" أو ما يعرف بقانون "قيصر" سييء الصيت، والذي ينص على فرض عقوبات على الحكومة السورية والدول التي تدعمها مثل إيران وروسيا لمدة 10 سنوات أخرى. كما أثرت الحرب التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا قبل حلول شهر رمضان، على دول كثيرة بالعالم، وساهمت في ارتفاع جنوني لأسعار السلع بطريقة خيالية ، ونقص واضح في بعض السلع والمواد الغذائية بسبب ارتفاع تكاليف الشحن، وتقلبات سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، الأمر الذي جعل واقع الحياة أصعب على السوريين. وروى سائد عبد الغني، وهو مسؤول في مبادرة " كنا وسنبقى التطوعي " تقلب الأحوال التي مرت على مبادرتهم التي انطلقت في عام 2014 ، وكيف أصبحت هذا العام تعاني من صعوبة في تأمين المواد الغذائية ، بعد مرور 8 سنوات تقريبا ، مشيرا إلى أن غلاء الأسعار أثر كثيرا على عمل الجمعيات الخيرية والمبادرات الأهلية . وقال عبد الغني، لوكالة أنباء (( شينخوا)) "أسسنا هذه المبادرة عام 2014 وكانت تحت شعار ( رد الوفاء بالوفاء) ، وبعدها بعام أطلقنا مبادرة ( كسرة خبز) ، واستمرينا بها حتى اليوم "، مضيفا " في بداية العمل كنا نعمل على تقديم الطعام المطبوخ ، وكنا نقدم ما بين 10 إلى 20 ألف وجبة باليوم "، مبينا أنه خلال انتشار جائحة مرض فيروس كورونا الجديد في عام 2020 تم الانتقال من نظام الوجبات المطبوخة أو الجاهزة إلى نظام الوجبات النية المتضمنة فروج ورز وزيت وخضار وكان ذلك أفضل للمستفيدين ، بحيث يمكن تقسيم الحصة إلى عدة أيام وآكلات" . وأعرب عبد الغني عن أسفه لتردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد وانعكاس ذلك على الناس ، وخاصة في السنتين الأخيرتين ، مشيرا إلى أن غلاء الأسعار أفقد العمل الإنساني والإغاثي. وقال "مع الأسف الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد والعقوبات الاقتصادية الجائرة أثرت على عملنا .. فالسلة الغذائية التي كانت تكلفنا 12 ألف ليرة سورية ( الدولار الواحد يساوي أكثر من 2800 ليرة سورية ، بحسب سعر صرف البنك المركزي السوري الرسمي)، سابقا اليوم تكلفنا 35 ألفا"، مضيفا "هناك ندرة في تأمين المواد الغذائية التي تستخدم في توزيع السلال الغذائية، واتساع شريحة الناس المحتاجة". وأكد عبد الغني أن التجار الذين كانوا يقدمون المساعدات من مواد غذائية وغيرها للجمعيات الخيرية والمبادرات الأهلية خلال شهر رمضان ، أكدوا وجود صعوبة في تأمين المواد الغذائية ، وغلاء أسعارها ، وخصوصا الزيت النباتي. وأضاف أن الحاجة صارت أكثر من ذي قبل، والناس الذين في حاجة إلى وجبات أصبحوا أكثر من الأوقات السابقة، وبنفس الوقت الأسعار صارت أغلى، وبالتالي هذا الشيء انعكس على خفض عدد السلال التي كانت تقدم للناس بسبب الغلاء وقلة المواد التي تحصل عليها الجمعيات الخيرية". وقال إن "الوضع الاقتصادي أثر على كل الناس حتى التجار الذين كانوا يدعمون إما بمبالغ مالية جيدة، أو من خلال مواد غذائية وخضار ودجاج اليوم عندما نتكلم معهم يقولون ان الوضع صعب للغاية". وتابع يقول كلما اشتدت الضائقة الاقتصادية، كلما زادت حاجة الناس، معربا عن أمله في أن يتعافى البلد، وأن يقل عدد المحتاجين، مؤكدا أنه لا يتفاخر بتقديم عدد كبير من الوجبات للناس، ونتمنى أن تقلل هذه الأرقام وأن تتلاشى وأن يكون دورنا كجمعيات يتمثل في الدور التنموي أكثر من مما هو إغاثي. وبدوره، أكد الشاب السوري نجيب حاج بكري المسؤول في مبادرة "مطبخ أهل الخير" أن الوضع الاقتصادي السيئ والعقوبات الأمريكية والغربية التي فرضت على سوريا لعبت دورا سلبيا في تحجيم دور الجمعيات الخيرية والمبادرات الأهلية التي كانت بمثابة جسر بين أهل الخير والأسر المحتاجة. وقال حاج بكري، وهو رئيس مجلس أمناء مؤسسة جيلنا، والذي يوزع الطعام للأسر المحتاجة في أحد أحياء العاصمة دمشق، لوكالة أنباء ((شينخوا))" اليوم الوضع الاقتصادي سيئ في سوريا"، مؤكدا أن هذا الامر ترك أثرا سلبيا على عمل الجمعيات الخيرية. وأضاف حاج بكري أن " دورنا كمؤسسات مجتمعية وأهلية هو تعزيز دور التشاركية وتفعيل دور التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع"، لافتا إلى أن المبادرات الأهلية بمثابة الجسر بين الناس المحتاجة وأهل الخير. وتابع يقول إن سنوات الحرب التي مرت على سوريا لعبت دورا سلبيا، بالإضافة إلى الحروب التي تنتشر في عدة أماكن بالعالم أثرت على الأمن الغذائي العالمي، مضيفا " نحن مثلما كنا متكاتفين ضد بندقية الإرهاب، فاليوم هناك حصار اقتصادي وعلينا أن نحاول تقديم ما بوسعنا كي نوفر الطعام للناس المحتاجة " ، مشيرا إلى أن سوريا بحاجة إلى المحبة كي يسود السلام بين الناس. وأشار إلى أن مطبخ أهل الخير يقدم حوالي 400 وجبة إفطار لـ 400 أسرة محتاجة في دمشق وريفها، مؤكدا أن الطعام يقدم للأسر الأكثر احتياجا. وأوضح حاج بكري أن مطابخ رمضان هي عادة قديمة متوارثة من الأجداد والأباء، مؤكدا أن الجيل الحالي يقوم بتعزيزها لتبقى حاضرة في المجتمع بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة. وأكد أن الغلاء وصعوبة تأمين المواد الغذائية من أهم الصعوبات التي تواجه عمل مبادرته، وقال "هناك العديد من الصعوبات ومنها غلاء الأسعار وهذا شكل لنا فروقات كبيرة جدا ، اليوم هناك تضخم وقلة السيولة بين أيدي الناس"، منوها أنه بالرغم من كل هذا لايزال هناك أناس يحرصون على تقديم المساعدة ولو بشكل بسيط.

مشاركة :