د. عبدالله الغذامي يكتب: قانون القول وقانون الفعل

  • 3/26/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لماركيز وقفات لافتة عن مشكلة الكتابة بوصفها منتجاً بشرياً يصدق عليها ما يصدق على أي منتج يصنعه البشر، وينطلق من المقولة السياسية التي تقول «نريد أفعالاً لا أقولاً»، ويقيس عليها الفعل الأدبي وعلاقة الروح المتوثبة للإنتاج، ومن هنا يتحدث عن مأزق كتابة القصة القصيرة، وأنها بسبب قصرها يتورط كاتبها لدرجة اضطراره لإعادة كتابة القصة مرة تلو أخرى، لإحساسه أنه لم يقل ما يريد قوله، واتخذ ماركيز لنفسه نصيحةً بأن يمزق القصة التي تتلكع معه. على عكس الرواية التي سيجد معها فرصاً للدوران حول ما يتأبى عليه، فيكسر عقدة النص كلما تعثرت حيله معه، وفي الأدب عموماً لا بد من معالجة الإنتاج بالإنتاج، على عكس الموسيقى التي يرى ماركيز أن الشيء الوحيد الذي يفوق الموسيقى هو الحديث عن الموسيقى، وأوشك أن يقول الشيء نفسه عن الأدب بأن الشيء الوحيد الذي يفوق الأدب هو الحديث عن الأدب قياساً على كلامه عن الموسيقى، غير أنه تراجع عن هذا التشبيه، وقال إن الشيء الوحيد الذي يفوق الحديث في الأدب هو صياغة الأدب الجيد، وتلك كانت هي حيرة ماركيز مع الأدب تذوقاً ونقداً وإنتاجاً، ولا شك أنه مال من حيث التنظير لذاته ولما يجيده، فهو ليس ناقداً أدبياً كي يميل للحديث «في» الأدب، مقابل أنه ليس موسيقاراً ولكنه مع الموسيقى فضل الحديث في الموسيقى وجعل ذلك يفوق الموسيقى نفسها، أي يفوق فعل الإنتاج، بينما لا يريد أن يقول الشيء نفسه عن الأدب لأنه ليس محترفاً للنقد، وإنما هو من صناع الأدب وسيرى موقعه هنا، حيث يجد نفسه، والمهم في تجربته هذه وفي حيرته الفكرية هو تمييز الفعل عن القول، فمن استطاع القول «الأدب بوصفها قولاً» فليس له أن يظل في خانة «الحديث عن القول» وإنما يتقدم لتجويد الصناعة، فإن لم يكن من أهل الصنعة فالأفضل في حقه إذن أن يقتحم في الحديث عن الصنعة، ويصدق هذا في السياسة «نريد أفعالاً لا أقوالاً»، وفي كل فن تكون من ضروراته أن يصدق عملياً، وهنا سنرى أن المحلل السياسي هو من فئة «الحديث في» وسيحسن صنعه بقدر إتقانه للحديث «في»، وكذلك فنون النقد والدراسة والبحث ستكون كلها «أحاديث في»، ولكن لن يصح من أهل الصنعة أن يكونوا من أهل الحديث في صنعتهم، لأن المتوخى منهم هو الأفعال وليس الأقوال. وهذه معادلة من أدق المعادلات في تاريخ الثقافات، حين تختلط المفاهيم بين قول بلا عمل، أو عمل من دون ناقد للعمل، ووظيفة النقد هي «الحديث في»، حيث ستقع في درجة تفوق العمل نفسه حسب مهارة الحديث فيها، مقابل أن ذلك عيب ثقافي لو ظل المسيقار يتحدث «في» الموسيقى في حين المتوخى منه أن ينتج موسيقى، ويقاس على ذلك كل حالات الفعل والقول في إحلال كل مهارة في موقعها الصحيح لها.

مشاركة :