الحقيقة التي لا ينكرها عاقل هي أن الحوثي لن يتمكن من حكم اليمن، ولذلك يتمنع عن الدخول في حوارات أو مفاوضات أو مشاورات، ويجهض ما يشارك فيه. وإذا كان خلال السنوات السبع الماضية قد استفاد من ابتعاد بعض المكونات اليمنية عن الشرعية، وانشغال بعضها ببعض، ولعب على تباين المصالح وتنافرها أحيانا، فإنه اليوم يدرك تماما أن اليمن موحد في مواجهته، وبدعم خليجي، ومساندة عربية وإسلامية ودولية، تقف خلف مجلس القيادة الرئاسي. ولذلك فإن حسابات الحوثي يفترض أن تكون اليوم غيرها منذ سقوط صنعاء في سبتمبر 2014م. والحقيقة الثانية أن اليمن لن يقبل بحكم ولاية الفقيه، ولن يرحب باستنساخ حزب الله في اليمن، خاصة وأنه يشهد تجربة الحزب وهي تسقط في لبنان بعد أن جوعته، وأفلسته، وعزلته عن عمقه العربي. اليمن على خلاف لبنان؛ لا يتمتع بالتنوع اللبناني، فسنته بمذاهبها، وشيعته بفرقها تأرز إلى مرجعية القبلية والتقاليد اليمنية الخالصة، التي لا تقبل الضيم، ولن تخنع لسيطرة ثلث أو ربع معطل يرتهن اليمن لأجندات خارجية. ويبق السؤال عن مدى جاهزية الحوثي للتعامل مع الحقيقتين السابقتين بواقعية تمليها الظروف الراهنة؟ أم أنه سيتمسك بمكاسبه غير الشرعية، ويواصل اختطاف السلطة وتجاهل القرارات والمرجعيات الدولية، ويواجه اليمن الذي يقف الآن موحدا في وجه مشروعه. وأجدني أميل إلى الفرضية الثانية، لأنه جماعة وظيفية مكلفة بمهام محددة في اليمن وجواره، ولا يملك قراره ولا ينطلق من مصلحة اليمن. مخرجات المشاورات اليمنية - اليمنية وضعت الحوثي في مأزق لم يتصور حدوثه، وتحتم اللحظة التاريخية تسجيل الإعجاب بالعقول التي هندست تلك المخرجات، وبالتقدير يسجل التاريخ موقف الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ونائب الرئيس علي محسن الأحمر اللذين وضعا مصلحة اليمن فوق كل الاعتبارات بتسليمهما قيادة اليمن لمجلس القيادة الرئاسي في تضحية خالصة من أجل إنقاذ اليمن. إن تشكيل المجلس قد وسّع دائرة المسؤولية ووضع النخب اليمنية السياسية والعسكرية والقبلية في مواجهة مع المليشيا التي تختطف السلطة، ولا أظن أن هذه المجموعة المرموقة ستخذل اليمن. وقد شدني انسجام ما رشح حتى الآن من تصريحات لرئيس المجلس وبعض الأعضاء الذين أكدوا على أن أيديهم ممدودة للحوثيين كمكون سياسي يمني شريطة أن يسلم سلطة الدولة وأسلحتها للدولة وفقا لقرار مجلس الأمن 2216، فإن أبى الحوثي إلا صرف اليد الممتدة بالسلام، فليس سوى الحرب لاستعادة اليمن. كثيرا ما كنت أقول إن في فمي ماء، تعاظم مع الوقت ليصبح نهرا من الأسئلة الحائرة حول ما يجري في اليمن ومآلات أزمته، ورغم خنق الأسئلة، حتى لا تأول بما يخرجها من دائرة الحرص على اليمن، فإنني اليوم أكثر من أي وقت مضى متفائل أن أبناء اليمن أعضاء مجلس القيادة الرئاسي قادرون على تحقيق ما عجزت عنه الشرعية خلال سبع سنوات مضت. لقد كانت الحلول المتخيلة للخروج من دائرة الضيق التي حُشرت فيها الأزمة اليمنية لا تتجاوز تحسينات ربما شكلية يؤمل منها مساندة القيادة الشرعية على تحسين أدائها بما يتناسب مع الخطر المتعاظم للحوثيين، المؤيد بتفكك المكونات اليمنية الفاعلة، إلا أن مخرجات المشاورات اليمنية - اليمنية تجاوزت في شموليتها الحلول المجتزأة لتخرج لليمن بمجلس القيادة الرئاسي كأفضل الحلول الممكنة والطموحة للأزمة اليمنية. هذه العصبة من السياسيين والعسكريين التي تغطي مناطق اليمن قادرة إذا خلصت النوايا، وأعلي شأن اليمن فوق المصالح الشخصية والفئوية والحزبية، على اجتثاث شأفة العصابة التي تسيطر على صنعاء سلما أو حربا. اليمن لم يكن وحده، ولن يكون وحيدا في مواجهة أزمته؛ إنه مدعوم بدول مجلس التعاون التي لا تبتغي من اليمن شيئا، وليس لدى اليمن ما يقدمه لهم سوى سيطرته على سيادة أرضه وسمائه كي لا تتحول إلى قواعد لقوى أجنبية تستهدف أمن دول الخليج العربي، وبخاصة المملكة العربية السعودية. وما يسوقه أعداء اليمن والمتاجرون بمصالحه عن أطماع خليجية في اليمن ليست سوى أخيلة مريضة متربصة باليمن ومستفيدة من وضعه الحالي. فدول مجلس التعاون وفي مقدمتها السعودية تريد يمنا موحدا يكون دعما للأمن الإقليمي، يمنا مستقرا يسهم في استقرار الإقليم، يمنا ناميا يحتضن أبناءه ويعيد بناء يمنهم، يمنا قويا يحول دون تحول الجمهورية إلى مهدد أمني لدول مجلس التعاون وبخاصة الدولتين المجاورتين لليمن. هذه هي مطالب السعودية ودول الخليج من اليمن، وتلك هي أطماعهم في اليمن.
مشاركة :