ساد شعور عقب تشكيل نفتالي بينيت, لحكومة ائتلافية في يونيو 2021؛ أن فترة من عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل -اتسمت بانتخابات متتالية ومتنازع عليها وفضائح فساد- ستنتهي. بيد أن الاستقالة المفاجئة لأحد أعضاء الحكومة هددت بإدخالها والنظام البرلماني في أزمة مرة أخرى. وفي 6 أبريل الماضي، استقالت عيديت سيلمان, رئيسة الائتلاف الحكومي وعضو حزب يمينا اليميني، بزعامة رئيس الوزراء بينيت. وتركت الاستقالة رئيس الوزراء -الذي يقود ائتلافًا واسعًا في البرلمان يضم القائمة العربية الموحدة، وحزب ميرتس اليساري- بدون أغلبية, حيث أضحت أجندته التشريعية، بل مستقبله كرئيس للوزراء، موضع تساؤل, ومسار تكهنات, في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات في إسرائيل، والأراضي الفلسطينية المحتلة، عقب سلسلة من الهجمات في أنحاء البلاد. وقبل يومين من استقالتها، هاجمت سيلمان, قرار وزير الصحة، نيتسان هورويتز, بتأييد قرار المحكمة العليا بالسماح بدخول الخبز المخمر في المستشفيات خلال عيد الفصح، والذي عادة ما تحظره قوانين الكوشر اليهودية في هذا العيد. بالإضافة إلى ذلك، أعربت عن معارضتها لتشريع مقترح؛ يهدف إلى تحرير قواعد الصلاة عند حائط المبكى في القدس. وفي خطاب استقالتها، أشارت إلى الافتقار إلى القدرة على التوافق بين الأحزاب المختلفة، والتحول في الاتجاه الذي يتعارض مع آرائها الدينية المحافظة، موضحة أن قيمها الأساسية تتعارض مع الواقع الحالي, وأنها لا تستطيع المشاركة في إلحاق الضرر بالهوية اليهودية لإسرائيل, كما دعت إلى تشكيل حكومة يمينية جديدة، قائلة: إنه حان الوقت لإعادة تقييم ومحاولة تشكيل حكومة وطنية يهودية صهيونية بحسب قولها. ومع ذلك، أوضح باتريك كينجسلي, وإيزابيل كيرشنر, في صحيفة نيويورك تايمز, أنه في حين أن قرارها كان ظاهريًا على خلفية قرار هورويتز, بتأييد حكم المحكمة العليا بشأن الخبز المصنوع من الخميرة، إلا أنه كانت هناك محاولات استقطاب لاتخاذ هذا القرار من جانب أعضاء حزب الليكود بزعامة نتنياهو من عدة أشهر. وكما أوضحت وكالة أسوشيتيد برس, فإن بعض أعضاء حزب بينيت كانوا غير راضين لتحالفه مع الأحزاب الإسلامية والليبرالية منذ بدء الحكومة مهامها في يونيو. ويتوقع المراقبون الآن دخول السياسة الإسرائيلية في فترة من عدم الاستقرار، بعد أن تعافت من واحدة من أسوأ أزماتها، التي شهدت خلالها أربع انتخابات في غضون عامين قبل أن يتولى بينيت رئاسة الوزراء العام الماضي. ووفقًا لـ«دوف ليبر», من صحيفة وول ستريت جورنال, فإن الخلافات الأيديولوجية العميقة في الائتلاف قد خلقت تحالفًا غير عملي, حيث تصادم الأعضاء حول السياسات المتعلقة بالاستيطان في الضفة الغربية والفلسطينيين ومسائل الدين والدولة. وفي هذا الصدد، أشار كينجسلي, وكيرشنر, إلى أن معظم المجموعات داخل التحالف تعرضت لانتقادات شديدة، وأحيانًا لسوء المعاملة ؛ بسبب تحالفها مع الخصوم السياسيين. وبالمثل، كتب ميتشل بليتنيك, من مركز ريسبونسبل ستيت كرافت, أنه من الممكن أن يتعرض أعضاء التحالف للمضايقات والنبذ, من الجماعات الدينية والقومية التي يستمدون دعمهم منها، مما دفعه إلى توقع أن يتم إغراء أعضاء آخرين لتقديم الاستقالة من خلال ضغوط مماثلة. وفي الوقت الحالي، لا يمكن للحكومة أن تسقط إلا إذا توفر دعم الأغلبية لحل الكنيست، الذي سيكون في فترة راحة بسبب عطلة الربيع حتى 8 مايو، أو إذا كانت هناك أغلبية في البرلمان لصالح بديل للائتلاف الحاكم. وأوضح يوهانان بليسنر, من معهد الديمقراطية, أنه لا يوجد طريق مضمون, لأي منافس محتمل لبينيت، مشيرًا إلى أن رئيس الوزراء لا يزال يحتفظ بـ60 من مقاعد الكنيست البالغ عددها 120 مقعدًا، بينما تحتفظ كتلة منافسه من قبل سلفه نتنياهو, بـ54 فقط، مضيفا أنه لا توجد أدنى فرصة أمام القائمة المشتركة, ذات الغالبية العربية، والتي تشغل المقاعد الستة المتبقية، للاتحاد مع نتنياهو لتشكيل حكومة، على الرغم من اعترافه بأن الائتلاف والبلد يعودان إلى حالة الأزمة؛ نتيجة لاستقالة سيلمان. وكما لاحظ ليبر, فإنه من المحتمل أن تكون حكومة بينيت, بمنأى عن الانهيار؛ لأنها ستثير إمكانية تصويت المعارضة بأغلبية محتملة على حل البرلمان. وفي إشارة مقلقة بالنسبة إلى بينيت، سلط عساف شبيرا, من معهد الديمقراطية, الضوء على أن حكومات الأقليات ليست شائعة في إسرائيل, وقد نجت عادة لفترة قصيرة فقط. وكانت سيلمان شخصية مهمة في ائتلاف بينيت المتباين، ووصفها كينجسلي, وكيرشنر, بأنها عضو مهم بالحكومة. وبحسب المراقبين فإن قرار استقالتها، يعكس فترة توترات مطولة بين أعضاء التحالف اليساريين والعلمانيين والعرب واليمينيين, الذين استقروا في السلطة منذ يونيو 2021، عقب سلسلة من الانتخابات غير الحاسمة. وكما هو الوضع الآن، لن يتمكن الائتلاف من تمرير تشريع بدون دعم أعضاء الكنيست المعارضين، رغم أن بينيت, أعلن عن رغبته ورغبة قادة أحزاب الائتلاف الآخرين في البقاء في السلطة، مؤكدا أن البديل هو انتخابات برلمانية أخرى، وربما يتبعها انتخابات رئاسية بعد ذلك, منذرًا بالعودة إلى أيام صعبة زعزعت استقرار إسرائيل. ومع ذلك، كما أوضح بليسنر, أنه في أعقاب الانسحاب خسرت حكومة بينيت أغلبيتها في البرلمان وحريتها في المناورة وتمرير التشريعات والقرارات الخاصة بها. وعلق روري سوليفان, في صحيفة الاندبندنت, أن الدعوات التي وجهت لرئيس القائمة المشتركة, ذات الأغلبية العربية في الكنيست، أيمن عودة, للمساعدة في دعم الحكومة الحالية, لاقت رفضًا؛ حيث استبعد الأخير هذا الاحتمال, ورفض دعم الشخصيات اليمينية، مثل بينيت. وفي حين أن نتنياهو, هو أبرز شخصية معارضة، فإنه يُحاكم حاليًا بتهم الفساد. وأشار كينجسلي, وكيرشنر, إلى أن طريقه إلى السلطة لا يزال معقدًا، وبعيدًا عن التأكيد. وبما أنه لا يزال عدد أقل من الأصوات المطلوبة للشروع في التصويت بحجب الثقة، بدأ حملة للتحريض على مزيد من الانشقاقات عن حكومة بينيت؛ إلا أن نتنياهو خاطب بالفعل شخصيات يمينية أخرى في الائتلاف مشجعًا إياهم على الانضمام إلى سيلمان, وإعادة إسرائيل إلى مسار النجاح والإنجاز والأمن والسلام. ومع ذلك، كما أوضح ليبر, سيظل نتنياهو بحاجة إلى استقطاب سبعة آخرين من أعضاء الكنيست للحصول على الأغلبية، وهو أمر لا يزال مستبعدًا، بالنظر إلى ما نال سمعته في فضيحة الفساد المذكورة أعلاه. كما أنه من غير المحتمل أيضًا أن يتمكن من حشد الدعم المطلوب له داخل الكنيست، رغم أن القائمة المشتركة استبعدت دعم بينيت, كون العداء تجاه نتنياهو وحزبه، من غير المرجح أن يسهل عودته إلى السلطة. وكما لاحظ كينجسلي, وكيرشنر, فإن أزمة الائتلاف تأتي في وقت حرج, بعد سلسلة من الهجمات الدامية, التي وضعت بينيت وحكومته بالفعل، تحت ضغط هائل. ومنذ 22 مارس 2022، أودت سلسلة من أربع هجمات بحياة 14 شخصًا، فيما وصفه الباحثان بأنه أكثر موجة عنف في إسرائيل منذ عام 2016. وفي أعقاب حادثة إطلاق النار التي وقعت في تل أبيب، وأسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص، أعلن بينيت, أن قوات الأمن ستتمتع بالحرية الكاملة فيما سماه عمليات مكافحة الإرهاب، مما يشير إلى أن دائرة العنف ستستمر. وحذر حسين إيبش, من معهد الشرق الأوسط, من أن القدس قد تصبح صندوق بارود, نتيجة لذلك، وحذر من أن استمرار العدوان قد يؤدي إلى درجة من العزلة الدولية لحكومة بينيت أيضًا، مضيفا أن تلك العمليات يمكن أن تبطئ, أو تلغي وتيرة التقدم الإسرائيلي الأخيرة بشأن الدبلوماسية الإقليمية. وفي تقدير بليتنيك, قد تستمر هذه التوترات في التفاقم؛ لأن الأزمة في الحكومة تعني الآن أن بينيت سيواجه وقتًا أصعب بكثير على يد اليمين القومي في ائتلافه، الذي كان يعتبر توسيع المستوطنات في الضفة الغربية بالنسبة له نقطة رئيسية. ووفقًا لـ«ليبر», فإن استقالة سيلمان شلّت الأجندة التشريعية لرئيس الحكومة، وجعلت فرص مفاوضات السلام المستقبلية بعيدة المنال في ضوء التوترات المتصاعدة. وعلق بليتنيك أيضًا بأن القادة الإسرائيليين سوف ينظرون إلى هذه القضايا الأمنية والقومية لترك بصمتهم عليها واستغلالها, مشيرًا إلى أن هذا لن ينطبق فقط على لابيد، وبينيت, ولكن أيضًا على نتنياهو، وغيره من القادة البارزين. وحاول رئيس الوزراء السابق وشخصيات معارضة يمينية أخرى استغلال الموجة الأخيرة من الهجمات لصالحهم، حيث وصفوا بينيت بأنه ضعيف وناعم في رده على العنف. وأشار ليبر إلى أن التصعيد الأخير في الهجمات ترك الحكومة عرضة لمثل هذه الانتقادات. على العموم، فإنه برغم أن استقالة سيلمان قد تركت مستقبل حكومة بينيت في حالة من عدم اليقين، فقد ذكر ليبر أن المحللين السياسيين يعتقدون أن الائتلاف الحالي يمكن أن يستمر حتى مارس 2023, وعندها سيلجأ رئيس الوزراء للأغلبية لتمرير موازنة جديدة، وتجنب إجراء انتخابات أخرى. ومع ذلك، فإن قدرة حكومته على البقاء لهذه الفترة الطويلة ستظهر الانقسامات الحقيقية بين جماعات وأحزاب المعارضة. ولا يزال نتنياهو وهو المنافس الرئيسي على رئاسة الوزراء متورطًا في خلافاته الخاصة، ويبدو أنه غير قادر في الوقت الحالي على توحيد المعارضة، أو إقناع المزيد بالانشقاق عن حزب بينيت. من ناحية أخرى، تتزامن هذه الأزمة مع تصاعد التوترات في إسرائيل، والذي لا يبشر بالخير لمحنة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، والذين قد يشعرون قريبًا بوطأة عمليات المواجهة في ظل محاولة بينيت الابتعاد عن الاتهامات والانتقادات التي تصفه بالضعف. وعلى المدى الطويل، بات واضحًا أن فقدان الائتلاف الحاكم للأغلبية بشكل أساسي سيؤدي لعدم استئناف عملية السلام المتوقفة بالفعل في المستقبل القريب.
مشاركة :