تعودت على مدار عمري كله أن أقضي رمضان أو بعضاً من أيامه مع أمي أتمتع ببرها ودعائها وأكلاتها الشهية، وجاء رمضان هذا العام، ولكن غابت أمي رحمها الله فقد لبت نداء ربها عز وجل قبل بداية رمضان بأسبوع. لقد كانت أمي من سيدات التعليم الأوائل اللاتي حرصن على نشر الثقافة والمعرفة في المجتمع التعليمي من خلال عملها في الإشراف التربوي للمكتبات المدرسية أو أثناء قيادتها لمكتبتها في مدرسة الأوقاف الثانوية بنات في حي المهندسين. عملت أمي خلال عملها على دعم الطالبات والمعلمات في الحصول على المعرفة - النادرة في ذاك الوقت - من خلال المشاركة في المعارض التي كانت تقام في المدارس، وكذلك في شراء العديد من الكتب والقصص والمصادر الأخرى من معرض القاهرة للكتاب وكان هو المعرض الوحيد في ذاك الوقت. شاركت أمي في بداية مشروع السيدة سوزان مبارك لتجديد المكتبات والقراءة حيث عملت على تنمية مهارات أمينات المكتبات للمشاركة في العملية التعليمية بدور فعال وعدم الاكتفاء بالجلوس في قاعات المكتبات انتظاراً للمستفيدين، كما شجعت على إثراء العملية التعليمية من خلال المسابقات التي كانت تتبناها المكتبات المدرسية، فحصلت على العديد من شهادات الشكر والتقدير نظير مجهوداتها الهائلة في هذا المجال. وفي قمة تألقها وتحضيرها لتولي مناصب أعلى توفي إلى رحمة الله أبي، فكان خياراً صعباً عليها بين مراعاة أولادها وهم ليسوا بصغار وبين استكمال عملها وتحقيق مجدها الشخصي، فقررت عام 1986م تقديم استقالتها والاكتفاء بدور الأم والأب في المنزل حتى تستقيم الأمور، وقد استقامت ولله الحمد. خلال كل هذه الأعوام لم تشتك أمي أبداً ولم تطلب أي عون أو مدد سوى من الله تعالى، حتى في أحلك لحظات ضعفها ومرضها الذي أصابها عدة مرات لم أسمعها أبداً تئن أو تشتكي، وحتى حين كنت بعيداً عنها ويرن هاتفي تتحامل على نفسها حتى لا تشعرني بمرضها وألمها. وفي آخر أيامها كانت تصاب بغيبوبة لفترات طويلة وتخبرهم ألا ينقلوا لي أي شعور بمرضها وأنها نائمة فقط، وحين اشتد مرضها قالت لي: أنت واحشني موت، لأذهب إليها مسرعاً وحين أدخل عليها يكون الموت أسرع مني لها فتلفظ أنفسها الأخيرة وأنا على أعتاب غرفتها. رحمك الله يا أمي وغفر لك.
مشاركة :