دعوني أنقل لكم هذه الفقرة من كتاب الدكتور صلاح فضل «شفرات النص» وهو ينظر لما يسمى بالحداثة العربية حيث يقول بالحرف الواحد «أما في عالمنا العربي - على تعقده وتشابك الخيوط في نسيجه - فإن الطابع الأساسي لتوقفه الحضاري الراهن أنه استهلاكي لإنتاج الغير، لا يكاد يلتقط أنفاسه ليدرك المدى المعرفي والإنساني لما تعود على استخدامه أو ليلائم بين منظوماته الفكرية والوجدانية وبين إيقاع الحياة المادية التي تسكره بنشوتها الظافرة مما جعل هذا الإنسان أسيرا في معظم الوقت لحالات الازدواجية والاستلاب، وفي ظل هذا المدار تصبح الحداثة الأدبية عندئذ مسؤولة عن سد هذه الثغرة بين العقل والوجدان من ناحية ومعطيات الحياة المادية من ناحية أخرى هي المنوطة - لا بالتعبير عن تغيرات العالم العربي على جميع الأصعدة فحسب - وإنما بتنمية درجة عالية من الوعي المتزايد بضرورة التحول من مرحلة الاستهلاك إلى مرحلة الإنتاج الحضاري والأخذ بأسبابه العلمية المنظمة».ولا أكاد أتفق مع الدكتور فضل في كثير مما ذهب إليه، فرغم التناقض بين البداية والنهاية فإنني أكاد أزعم بأن الأخذ بأسباب «العلم المنظم» لا يجيء من خلال التقليد، ولا ينبغي له ذلك، بل إنه لا يجيء من خلال «الحداثة» أما ما قاله الكاتب بأن تردد الإنسان العربي عن خوض غمار عالم الحداثة حوله إلى إنسان أسير في معظم الوقت لحالات الازدواجية والاستلاب فهو قول مشكوك في صحته ولا أكاد أميل إلى تصديقه، فأغراض الشعر العربي قادرة على سد الثغرة التي ذكرها الكاتب بين العقل والوجدان، أما قوله بأن الانخراط في أساليب الحداثة الوافدة إلينا من الغرب سوف ينمي لدينا الوعي بطريقة أفضل، فهذا قول مشكوك في صحته أيضا، ذلك أنني أرى أن أغراض الشعر العربي قادرة أيضا على منحنا الوعي دون محاولة تقليد الآخرين بتقمص شخصياتهم واستيراد مذاهبهم الفكرية.
مشاركة :