قام البنك المركزي التركي بمراجعة بعض قواعد متطلبات الاحتياطي للبنوك في محاولة للحفاظ على نمو القروض تحت السيطرة وتشجيع تحويل العملات الأجنبية إلى العملة المحلية، في خطوة لتعزيز مجموعة أدوات السياسة الاحترازية الكلية. ويرى محللون أنه يمكن أن يتردد صدى الكيفية التي تدور بها المناقشات حول الصناعة المصرفية في تركيا، ويساعد في تشكيل أجندة السياسة الحكومية لبقية العام الجاري، لتفادي التقلبات العالمية التي أثرت بشكل أو بآخر على النشاط المالي والاقتصادي للبلاد. ومنذ بداية العام تحولت أنظار تركيا في معركتها المضنية لحماية الليرة المنهارة إلى ضفة المصدرين وقطاع الخدمات، اللذين وجدا نفسيهما اليوم أمام واقع جديد، في محاولة لتعويض تآكل احتياطي البلاد من النقد الأجنبي. شهاب قاوجي أوغلو: متطلبات الاحتياطي ستطبق على أصول البنوك أيضا ويعيش الاقتصاد التركي أزمة مركبة تعود إلى عدة أسباب من أبرزها تراجع سعر صرف العملة المحلية، فيما تسعى الحكومة إلى إعادة عجلة الاقتصاد إلى النمو باتخاذ إجراءات متعددة لا تخلو من المجازفة. وتراجعت قيمة الليرة بنسبة 8.8 في المئة مقابل الدولار منذ بداية العام الجاري، وهذا ثالث أسوأ أداء بين عملات الأسواق الناشئة. وقال محافظ المركزي شهاب قاوجي أوغلو في بيان نشره البنك السبت الماضي إن “متطلبات الاحتياطي، التي كانت تطبق فقط على جانب المسؤولية في الميزانيات العمومية، ستطبق الآن على جوانب الأصول أيضا”. وذكرت سلطة النقد أن الإقراض النقدي التجاري للبنوك المقومة بالعملة المحلية باستثناء ما يتعلق بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم وقروض التصدير والزراعة سيخضع لمتطلبات الاحتياطي. ومن شأن توجيه ضربة أخرى للتوسع المدفوع بالائتمان أن يخاطر بزيادة الواردات وتغذية الاختلالات الاقتصادية، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الليرة المتراجعة أمام سلة العملات الرئيسية وإبعاد المستثمرين. ويعتقد الكثير من الخبراء المتابعين للسوق التركية أن القرار قد يحد من نشاط الشركات والمشاريع الصغيرة، وهو ما يعني في نهاية الأمر ركودا أطول في قطاع الأعمال وبطالة أكبر. وثمة شبه إجماع بين هؤلاء أن تركيا التي تواجه هبوطا مستمرا في قيمة عملتها لا تملك رفاهية الاغتراف من احتياطاتها لتثبيت الليرة المنهارة. وبموجب القرار الجديد ستخضع القروض التجارية التي تم تمديدها في فترات أربعة أسابيع منذ الأول من أبريل الجاري لمتطلبات احتياطي بنسبة 10 في المئة. كما رفع المركزي متطلبات الاحتياطي للحسابات الشخصية لدى المقرضين الذين لم يحققوا الهدف المتمثل في تحويل الحسابات المقومة بالعملات الأجنبية إلى الليرة. وزادت سلطة النقد نسبة الودائع بالعملات الأجنبية بمقدار 500 نقطة أساس للبنوك بمعدل تحويل أقل من خمسة في المئة، و300 نقطة أساس للمصارف التي تتراوح بين خمسة و10 في المئة. وستكون التغييرات الجديدة سارية المفعول من تاريخ الحساب في السابع والعشرين من مايو المقبل، مع بدء فترة التقييم في العاشر من يونيو المقبل. وجاءت مراجعة متطلبات الاحتياطي بعد أن أبقى المركزي سعره القياسي للفائدة عند 14 في المئة للشهر الرابع تواليا رغم تجاوز التضخم 60 في المئة. وقالت لجنة السياسة النقدية في نص قرارها بشأن معدل الفائدة في أبريل إنها تزن احتمالات النمو في قروض الاستثمار طويلة الأجل مقابل الحاجة إلى إبقاء الحساب الجاري تحت السيطرة. وقال البنك “في هذا السياق، قررت اللجنة تعزيز مجموعة السياسة الاحترازية الكلية”، في إشارة إلى تحرك محتمل بشأن متطلبات الاحتياطي. 40 بالمئة نسبة تراجع الاحتياطيات باستثناء حيازات الذهب منذ بداية هذا العام وتظهر الأرقام الرسمية أن إجمالي الاحتياطيات باستثناء حيازات الذهب تراجعت بأكثر من 40 في المئة منذ بداية هذا العام، حيث بلغت نحو 69 مليار في منتصف أبريل الجاري عن الذروة التي بلغتها في ديسمبر الماضي عندما وصلت إلى 115 مليار دولار. وإلى جانب تقليص القروض واستهداف قطاع الخدمات والمصدرين تدرس أنقرة اتباع سياسات بديلة عن زيادة أسعار الفائدة للمساعدة في المحافظة على الاحتياطي من النقد الأجنبي. ويقاوم القطاع المصرفي منذ ستة أشهر مطالب هيئة الرقابة المصرفية للحدّ من ارتفاع الائتمان الاستهلاكي، الذي يلقي المسؤولون باللوم عليه في إذكاء التضخم وعجز الحساب الجاري. ويأتي التناقض في دور القطاع في دفع مستوى النمو بعد فترة من العامين الماضيين عندما اعتمدت الحكومة على البنوك، وخاصة تلك المملوكة للدولة، لتكثيف الإقراض لدعم الاقتصاد بعد ظهور جائحة. ولكن في مواجهة ارتفاع حصيلة القروض الرخيصة في موازناتها السنوية العامة، بدأت البنوك الحكومية في إبطاء وتيرة نمو الائتمان. وأمام الانهيار السريع للعملة اتخذت تركيا منذ مطلع 2022 سلسلة من الإجراءات للجم هذا التوجه، وقد حث الرئيس رجب طيب أردوغان مرارا الحكومة على تعويض أي انخفاض في قيمة الودائع المصرفية بالعملة المحلية أمام الدولار. ويعاني سوق العملات الأجنبية التركي للعام التاسع على التوالي من انخفاض مستواه، بعد أن خسر أكثر من 80 في المئة من قيمته، وهي الأسوأ في الأسواق الناشئة بعد عملة البيزو الأرجنتينية. وهناك مخاطر فعلية بشأن احتمال هروب المستثمرين من السوق المحلية، وهؤلاء يحتفظون الآن بأقل من 5 في المئة من مخزون ديون السلطات بالعملة المحلية، انخفاضا من حوالي 30 في المئة في عام 2013.
مشاركة :