نحن على موعد مع الدورة الثامنة للمنتدى الاستراتيجي العربي، الذي ستحتضنه دبي، حيث يلتئم شمل مجموعة من كبار المفكرين والخبراء والاقتصاديين، من أجل استشراف المستقبل وقراءة التحديات التي تواجه العالم في عام 2016، ويقام هذا المجمع الفكري العالمي بتوجيهات ورعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله. هذا المؤتمر الدولي يؤكد قبل أي شيء حجم الثقة العالمية، التي تنعم بها دولتنا في حسابات وموازين دول الإقليم والعالم، نظراً لاحتضانها أبرز ملفين يشغلان العالم، وهما السياسة والاقتصاد، مع ما يحمله من تداخل وتأثير كبير متبادل. هذه الثقة العالمية ليست بلا شك نتيجة ادعاءات وحملات ترويجية أو اعتداد بما هو ليس بحوزتنا من موازين الثقل، بل هي حصيلة جهود طويلة عبر السنين وسياسة متوازنة حكيمة، وضعت دولة الإمارات في هذه المكانة، وأكسبتها ثقة الجميع عربياً ودولياً، وهو نتيجة ثقة في قدرة الإمارات على صناعة القرار العالمي باستقطابها أرباب الفكر والقرار والتخطيط الاستراتيجي، أي قدرة دولة الإمارات على صناعة وصياغة المستقبل، وليس استشرافه فحسب. النقطة الثانية هي ترجمة فلسفة دولة الإمارات في سباقها مع المستقبل، وعدم انتظار مفاجآته بل استحضاره بالتحليل والدراسة والتوقعات والخروج بأفضل الخطط والبدائل والسيناريوهات الكفيلة بمجموعها بأن تجعل من المستقبل شيئاً أفضل، وتجعل من قابل الأيام نافذة أكثر إشراقاً، ربما من الواقع المرير الذي تمر به كثير من الدول والشعوب. وهذا المنطق الإماراتي العالمي يستبق بلا تردد عبر الخطط القصيرة والمتوسطة المدى متطلبات مواجهة مختلف التحديات الناشئة إقليمياً ودولياً، ولا شك في أن النصيب الأكبر من هذه الخطط والرؤى والاستشرافات على أيدي كبار المفكرين ستكون بعالمنا العربي أولاً ثم انعكاسات ما يجري على شتى بقاع العالم. فلا ننكر أن عالمنا العربي أصبح بؤرة أزمات، بل إن داء الإرهاب مثلاً وهو أحد همومنا وأكبر مشكلاتنا، أصبح يتكئ إلى منطقتنا، ويضرب شرق الأرض وغربها تحت شعارات مختلفة، منها ما هو ديني، ومنها ما هو قومي وتحت شعارات أخرى وأجندات مختلفة لا يعلمها إلا الله تعالى. ووسط هذه الغمامة السوداء يتيه الرأي في كثير من الأحيان، بل تصبح صناعة القرار أشبه بالضرب في الرمال، أو الاستناد إلى التنجيم وطلاسم الغيب. ومن هنا لا بد بين الحين والآخر من قيام العالم ممثلاً بمفكريه ومنظريه وفلاسفته وحكمائه، بالجلوس إلى مائدة النقاش. وتبادل الآراء لوضع النقاط على الحروف، واستباق الأحداث. وكشف غمامتها عن العيون، لتكون الرؤية أوضح. وإذا كنا كوننا عرباً نمثل المنطقة الأشد التهاباً إلا أن ارتفاع درجات الحرارة الناجمة عن المرض أصابت العالم أجمع، ولم تعد دولة بمنأى عن هذا الواقع العالمي، بل إن التداعيات الاقتصادية والسياسية، وهي محور المؤتمر بدأت تنال من الدول والحكومات، وتفرض عليها إعادة جدولة اهتماماتها بين الحين والآخر، والبحث عن البدائل الاقتصادية لمستقبل الأجيال، والبحث كذلك بالحرص ذاته عن مستقبل أكثر أمناً واستقراراً لهذه الأجيال. المنتدى الاستراتيجي العربي هذا العام لا بد أن يكون أكثر جرأة في إضاءة الملفات المعتمة، والدخول إلى ما بعد المقروء والمنظور، بل لا بد أن يكون أشد وضوحاً في وضع الإجابات الواعية المسؤولة عن كثير من الملفات الحساسة في منطقتنا العربية وفي العالم، وليعلم الجميع أن سياسة التربيت على المشاكل وترحيلها إلى المستقبل، ليتكفل بحلها لم تعد تجدي أمام واقع متسارع الخطى، ومتقلب النتائج كل ساعة، وأمام حاضر ستنوء الأجيال بحمل همومه إذا لم يبادر الحكماء إلى حل مشكلاته، والبحث عن الخلاص الآمن لها.
مشاركة :