الدبيبة يفشل في قرع طبول الحرب ونفوذ حكومته يتراجع

  • 5/4/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تتصاعد الأصوات المحذرة من الدفع بالوضع في ليبيا إلى مربع العنف من جديد، فيما تتجه أصابع الاتهام إلى رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة بالعمل على إشعال فتيل المواجهة بهدف الاحتفاظ بمقاليد الحكم في ظلال البنادق وعلى خلفية لعلعة الرصاص ونزيف دماء الليبيين. بالتزامن مع عودة عدد من كبار أمراء الحرب إلى طرابلس، ومن بينهم عبدالحكيم بالحاج وأبوعبيدة الزاوي، ودخول رئيس دار الإفتاء التابعة لسلطات طرابلس الصادق الغرياني في تحالف معلن مع عبدالحميد الدبيبة، أكد عسكريو المنطقة الغربية رفضهم الزج بهم في أية حرب جديدة، وهو ما يعني رصدهم بعض المؤشرات على وجود نية للزج بالبلاد في حرب جديدة، يزعم الساعون إليها بأنها ستكون معركة فاصلة للسيطرة على منابع الثروة ولاسيما في الهلال النفطي ومنطقة الواحات والجنوب الغربي. وتحولت حكومة الدبيبة من حكومة الوحدة الوطنية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي – الليبي إلى حكومة انفصالية تعبّر عن مشروع انعزالي يجمع بين الميليشيات والجماعات المتشددة وبعض المحسوبين على تيار الإسلام السياسي وزعامات جهوية تدفع نحو إقصاء قيادة الجيش الموجودة في شرق البلاد ووضع كل مقدرات الدولة بين يدي من تعتبر نفسها الفئة المنتصرة والطائفة الغالبة في العام 2011 والتي تنظر إلى البلاد على أنها غنيمتها التي فازت بها ولن تفرّط فيها. ويرى مراقبون محليون أن الدبيبة سعى خلال الفترة الماضية إلى تجييش أنصار الحرب بهدف الإعداد لحرب جديدة يمكن أن تكون مبررا لتمسكه بغنيمة الحكم، وأن ضغطه على القضاء لإلغاء بطاقات الضبط والإحضار في حق بعض المتورطين في جرائم سابقة تتعلق بالإرهاب والإضرار بمصالح الدولة ونهب المال العام وغيرها -ومن بينهم عبدالحكيم بالحاج أمير الجماعة الإسلامية الذي غادر العاصمة منذ أكثر من خمس سنوات- ينذر بوجود مخطط يتم التنسيق له مع الفريق المتشدد القريب من تنظيم القاعدة والذي يتزعمه علنا الصادق الغرياني المفتي المعزول من قبل مجلس النواب في نوفمبر 2014 والذي لا يزال يمارس مهامه بغطاء حكومة الوفاق ثم حكومة الدبيبة، وعاد مؤخرا إلى العاصمة بعد سنوات إقامته المتقطعة في تركيا ليبدأ بتوجيه مؤشرات النزاع نحو مصر وتجييش أنصاره أمام سفارتها بطرابلس تحت أعين السلطات الحكومية. عبدالحميد الدبيبة فشل في قرع طبول الحرب، وانتهى مشروعه إلى انزواء وانطواء في جزء يسير من الجغرافيا الليبية في المقابل طالب رئيس الأركان العامة للقوات التابعة لوزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية، اللواء محمد الحداد، بعدم الاستمرار في توريط المؤسسة العسكرية النظامية في الصراع السياسي، مؤكداً أن الجيش لن يخوض أي حرب لأجل مصالح الآخرين، كما حث على النهوض بالبلاد وإنهاء إشراك العسكريين النظاميين أو المقاتلين في أي حرب لدواعٍ سياسية. وهذه ليست المرة الأولى التي يحذر فيها الحداد من الزج بالجيش في حرب عبثية، فقد أعلن الأسبوع قبل الماضي أن المؤسسة العسكرية تنأى بنفسها عن كل التجاذبات وفرض الأمر الواقع، ولن تسمح باستغلالها والمسلحين لتحقيق مشاريع والوصول إلى المناصب. والخميس الماضي خاطب الحداد ضباط الدفعة (50) من خريجي الكلية العسكرية بطرابلس -بحضور عدد من قيادات وضباط الجيش- قائلا “إن دوركم في مقارعة الإرهاب والقضاء عليه كان كبيرا فلا تجعلوا أحدا يستغفلكم أو يخدعكم بشعارات برّاقة في ظاهرها وما في باطنها إلا الأطماع الشخصية الزائفة”، داعيا إياهم إلى “الالتزام بالعقيدة العسكرية السليمة وبقوانينها وتشريعاتها وعدم توريط أنفسهم في متاهات لن تجلب لهم إلا العداء مع من يجب عليهم الدفاع عنهم وحمايتهم”. وكان الحداد قد اجتمع مع أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 عن المنطقة الغربية، وناقش معهم المشاكل والصعوبات التي تواجهها المؤسسة العسكرية، لاسيما بعد تعليق أعضاء اللجنة عن المنطقة الشرقية مشاركتهم في نشاطاتها بسبب المواقف المنسوبة إلى الدبيبة ومنها وقف صرف رواتب الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، وأشاروا إلى رفضهم “عدم انصياع الدبيبة لقرارات الشرعية الصادرة عن مجلس النواب ورفضه التسليم لحكومة الاستقرار، ونكث عهده بشأن ترشحه للانتخابات وعرقلته إتمامها بحجج واهية”. وترى أوساط ليبية من داخل العاصمة طرابلس أن قيادة الجيش بالمنطقة الغربية أبدت في مناسبات عدة رفضها لمحاولات جرها إلى حرب جديدة يريدها الدبيبة غطاء لبقائه في السلطة ومنطلقا لتشكيل زعامة وهمية بعد أن سيطرت عليها النزعة الجهوية والإقليمية والمناطقية التي يستهدف من ورائها كسب التعاطف الشعبي ودعم الميليشيات في غرب البلاد. وأضافت أن الدبيبة كان قد سافر إلى الجزائر للحصول على دعمها في أية مغامرة قد يندفع إليها، وحاول بعد ذلك استجداء دعم تونسي لكن وجد صدّا جعله يلغي زيارته التي كانت مقررة للأسبوع الأخير من رمضان الماضي. Thumbnail وبحسب الأوساط ذاتها، فإن الدبيبة حاول استغلال أزمة النفط وحادثة إغلاق حقلي “الشرارة” و”الفيل” بجنوب غرب ليبيا من أجل الترويج لفكرة الحرب بالاعتماد على أدواته المتعددة وتحركات القوى المتحالفة معه، لكن المجلس الرئاسي الليبي تدخل لنزع فتيل المواجهة، مؤكدا أنه “يحظر على كل الوحدات العسكرية مهما كانت تبعيتها وطبيعة المهام المكلفة بها، التحرك خارج ثكناتها وأماكن تمركزها، إلا بإذن من القائد الأعلى للجيش الليبي، وإذا استدعت الضرورة ذلك، فإنه لا يتم إلا وفقا للسياق المعمول به، وبموافقة القائد الأعلى”. وجاء الإعلان عن قرار المجلس الرئاسي بعد ساعات من تسريب وثيقة موجهة إليه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، من الدبيبة بصفته رئيس الحكومة المنتهية ولايتها ووزير الدفاع، اقترح فيها تشكيل مركز قيادة وسيطرة وعمليات يضم جميع الأجهزة الأمنية والعسكرية ويتلقى الأوامر من القائد الأعلى ومنه شخصيا بصفته وزيرا للدفاع. وطالب الدبيبة وفق الوثيقة المسربة بأن يضم المركز عددا من الألوية والميليشيات، وسرية شرطة عسكرية ووحدة طيران مسيّر، بسبب ما سماه إغلاق بعض مؤسسات الدولة من قبل من وصفها بمجموعات خارجة عن القانون، في إشارة إلى الموانئ والحقول النفطية التي أغلقها محتجون محليون بسبب الافتقاد إلى الشفافية في توزيع الإيرادات. ورفض الدبيبة الانصياع لقرار حجب الثقة عنه من قبل مجلس النواب وتسليم مقاليد السلطة للحكومة الجديدة. وفي تلك الأثناء قدم محمد الحداد لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي “إحاطة شاملة عن الوضع العسكري والنواحي التنظيمية لعمل قيادة الأركان النوعية والمناطق والوحدات العسكرية بهدف إعداد جيش منظم ومؤهل قادر على حماية الوطن”، ثم نقل عن المنفي تأكيد “دعمه الكامل لرئاسة الأركان العامة حتى تتمكن من أداء المهام الموكلة لها، ومساهمتها في بسط الاستقرار في كل مناطق ليبيا”، وهو ما يشير إلى وجود تناغم بين المجلس الرئاسي ورئاسة الأركان يتناقض مع خيارات الدبيبة الذي يجد نفسه عاجزا عن الضغط على الحداد المتحدر بدوره من مدينة مصراتة والمعروف بنفوذه المهم في دوائر الجماعات المسلحة. الدبيبة، المتمسك بالسلطة ولو على جسر من جثث الليبيين، يحاول التذاكي أكثر من قدرة فريقه على الإقناع بوجهة نظره وكان اللواء الحداد عقد اجتماعين في ديسمبر ويناير الماضيين مع رئيس أركان الجيش الوطني اللواء عبدالرازق الناظوري الذي كان قائدا للجيش بصورة مؤقتة بدلا من حفتر أثناء الترشح للسباق الرئاسي، ودعا إلى ضرورة توحيد المؤسسة العسكرية، وقال إنه يرفض الانسياق إلى الخلافات السياسية والحكومية. وتدعم قيادة الجيش الوطني في شرق البلاد حكومة الاستقرار المنبثقة عن مجلس النواب والتي يرأسها فتحي باشاغا، وهو ما فسح له المجال ليبسط نفوذ حكومته في مجال نفوذ قواتها المسلحة بالمنطقتين الشرقية والجنوبية وعلى جزء من المنطقة الوسطى المحسوبة على إقليم طرابلس، ومنها سرت، بينما يحظى رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة بدعم جزء من الميليشيات وقوات المرتزقة الأجانب وقد سعى إلى إقناع القوات العسكرية الموجودة في المنطقة الغربية بالوقوف إلى جانبه في وجه حكومة باشاغا وبالتالي في وجه الجيش الوطني ومجلس النواب وحتى الميليشيات الموجودة في المنطقة الغربية. وفي سياق تشكيل مشهد قرع طبول الحرب قام الدبيبة بتوفير دوافع المواجهة، وفي مقدمتها شق صفوف اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، حيث أدت تحركاته الاستفزازية إلى انسحاب فريق المنطقة الشرقية من اللجنة، ثم حوّل العاصمة إلى ثكنة كبيرة في استعراض متعمد للقوة مع خطاب تحريضي وإبداء التبعية الكاملة ليس لدعاة الإرهاب في ليبيا فقط وإنما كذلك لدعاة الكراهية والعداء ضد دول محور الاعتدال العربي وفي مقدمتها مصر والإمارات والسعودية، فما يهمه هو ضمان ما يعتبرها الكتلة الصلبة في غرب البلاد وهي تيار فبراير بميليشياته وجماعاته التكفيرية وشبكاته العقائدية والمصلحية ذات الصلة بالإسلام السياسي وبالدور غير المعلن لقطر والتحرك الميداني لتركيا. ويبدو واضحا أن الدبيبة، المتمسك بالسلطة ولو على جسر من جثث الليبيين، يحاول التذاكي أكثر من قدرة فريقه على الإقناع بوجهة نظره؛ فهو يعتقد أنه يمكن أن يجر بعض القوى الخارجية إلى مساندته في حرب يدّعي أنها ستكون لقطع أصابع روسيا من داخل ليبيا، إذ أنه وفريقه يتحدثان عن إمكانية توجيه طبيعة النزاع في الداخل الليبي وإظهاره على أنه امتداد للأزمة الأوكرانية والصراع القائم بين الدول الغربية وموسكو، وهو ما يتم التركيز عليه وتجتهد دبلوماسية نجلاء المنقوش في الترويج له. بتراجع نفوذ حكومته يجد الدبيبة نفسه في حاجة إلى إعادة ترتيب أولوياته وتحديد مسارات مستقبله السياسي كما أن الدبيبة يحاول استغلال تعطش الغرب لغاز ونفط بديليْن عن غاز ونفط روسيا بتوجيه رسائل تفيد بقدرة ليبيا على توفير المزيد من الطاقة في حالة تمكين حكومته من بسط نفوذها على منابع الثروة، وهو ما يحتاج إلى القوة، لكن ذلك غير خاف على الطرف المقابل؛ فقد وجه آمر غرفة عمليات الكرامة الرئيسية اللواء عبدالله الهمالي كتابا إلى عبدالرازق الناظوري، أكد فيه أنهم “على أتم الاستعداد لتنفيذ تعليماتكم للدفاع عن مقدرات الشعب الليبي والمحافظة على أمنه واستقراره”، وهو ما يشير إلى أن قوات الجيش مستنفرة للتصدي لأي هجوم يهدف من ورائه الدبيبة إلى إشعال الحرب من جديد. في الوقت ذاته يجد الدبيبة نفسه في مواجهة رفض من قِبَلِ رئيس أركان الجيش في المنطقة الغربية لأي حرب محتملة، كما أن أغلب ميليشيات مصراتة ترفض أن تكون مطية لطموحات الدبيبة السياسية، والأمر ذاته ينطبق على عدد كبير من ميليشيات طرابلس والزاوية، لاسيما أن بعضها يبدي ولاء ومساندة للحكومة الشرعية المنبثقة عن مجلس النواب، ويخشى بالتالي أن تتحول المواجهة إلى احتراب أهلي، ليس فقط بين الميليشيات والجيش وإنما أيضا في ما بين الميليشيات. لقد فشل الدبيبة في قرع طبول الحرب، وانتهى مشروعه إلى انزواء وانطواء في جزء يسير من الجغرافيا الليبية، فقد بسطت حكومة باشاغا نفوذها على إقليمي برقة وفزان ومناطق من إقليم طرابلس، وعلى منابع الثروة النفطية، وهي تتحكم اليوم في إنتاج وتصدير النفط، وسيكون من حقها الحصول على نصيبها من الإيرادات لتنفيذ بنود ميزانية الدولة التي انتهت من إعدادها لعرضها على البرلمان. وبتراجع نفوذ حكومته يجد الدبيبة نفسه في حاجة إلى إعادة ترتيب أولوياته وتحديد مسارات مستقبله السياسي؛ فالانتخابات التي يدعو إليها ليل نهار لن تنتظم في ظل حالة الانقسام السياسي والحكومي، وحكومة الاستقرار لن تنحلّ ولن تتراجع عن دورها وعن موقعها وإنما ستنطلق في تنفيذ برنامجها وستجد خلال المرحلة القادمة من يساندها بقوة في مدن الساحل الغربي ليمتد نفوذها عسى أن تعوض خسائر الفترة الماضية على جميع الأصعدة وخاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.

مشاركة :