يواجه قطاع الفوسفات في تونس محاولات جديدة للتعطيل تطرح تساؤلات حول سبل تجاوزها خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها البلاد والتي قد يساهم تعافي إنتاج الفوسفات في حلحلتها. ومحاولات التعطيل هذه ناجمة عن احتجاجات اجتماعية تشهدها البلاد، حيث أغلق عمال بشركة فوسفات قفصة ليل الأحد طرقات في المحافظة الواقعة جنوب غربي تونس. وقبل أيام احتجز محتجون 7 شاحنات لنقل الفوسفات في محافظة سيدي بوزيد مهد انتفاضة الرابع عشر من يناير التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي. وتثير هذه التحركات التي لطالما قادت إلى تعطل إنتاج الفوسفات جدلا واسعا في تونس يتعلق بأسباب الأزمة، علاوة عن حقيقة وجود أطراف تقف وراء هذا التعطيل المتواصل للإنتاج والجهات المستفيدة منه. وتحمّل أطراف سياسية حكومات ما بعد الثورة مسؤولية تردي الأوضاع في محافظة قفصة وتوقف إنتاج الفوسفات بالمناجم. عزالدين سعيدان: يجب الفصل بين الدورين الاقتصادي والاجتماعي للشركة ويطرح عجز الحكومات التونسية المتعاقبة على حلحلة أزمة الفوسفات التي تُراوح مكانها، الكثير من التساؤلات خاصة وأن هذا الملف حوّل تونس من ثالث منتج عالمي قبل سنة 2010 إلى مستورد للفوسفات في العام 2020. وأكد الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان في تصريح لـ”العرب” أن “إنتاج الفوسفات قبل 2010 كان في حدود 8.2 مليون طن ويشغّل 8 آلاف عامل وحقق مرابيح هامّة، والآن يسجّل خسائر ونزلنا إلى 3 ملايين دينار فيما يبلغ عدد العمال 32 ألف عامل”. وأشار إلى أن ”أسباب الأزمة اجتماعية بالأساس، باعتبار أن إنتاج الفوسفات يعد القطاع الوحيد في جهة قفصة، ولم تفكر الدولة والحكومات المتعاقبة في خلق فرص عمل أخرى أو البحث عن استثمارات، وهذا ما يؤكد أن الحوكمة كانت سيّئة جدا”. ودعا سعيدان إلى “ضرورة الفصل بين الدورين الاقتصادي والاجتماعي لشركة فوسفات قفصة، لأن الخلط بينهما يخلق عدّة مشاكل، في حين أن الشركة تتطلب دورا اقتصاديا”. ويرى مراقبون أن غياب الإرادة السياسية وعدم الاستقرار السياسي من أبرز الأسباب الكامنة وراء عدم حلّ هذا الملف رغم ما يكتسيه من أهمية، حيث بإمكان هذا القطاع أن يجنب تونس العديد من الهزات الاجتماعية والاقتصادية من خلال استقطاب طاقة تشغيلية مهمة. وبعد أن كانت تونس ثالث منتج لمادة الفوسفات عالميا قبيل الثورة، وتحديدا في 2010 بإنتاج فاق 8 ملايين طن، أصبح الإنتاج في هذا القطاع في البلاد معطلا ومتعثرا لأسباب تتعلق باحتجاجات منادية بالتشغيل وغيرها. ويستدعي بلوغ الإنتاج مستواه الطبيعي، وفق شركة فوسفات قفصة، عودة العمل في جميع أماكن الإنتاج بمنطقة الحوض المنجمي، وعدم عودة الاحتجاجات التي أدت إلى توقف نشاط بعض الأماكن خلال السنوات الماضية. ويرى مراقبون أن الاحتجاجات الاجتماعية أثّرت على سير إنتاج الفوسفات، منتقدين سياسة السلطات في السنوات العشر الأخيرة، وسط دعوات إلى الاستنجاد بخبراء ومتخصصين في الميدان وإيلاء الملف الاهتمام السياسي المناسب. وأفاد فوزي بن عبدالرحمن وزير التشغيل السابق أن “إنتاج الفوسفات ظلّ مضطربا ولم يصل إلى النسب المعهودة بسبب تأثر منظومة الإنتاج، خصوصا وأن 90 في المئة منه يتم تحويلها في المنطقة الصناعية بقابس (جنوب شرق)”. وأضاف لـ”العرب” أن “الاضطرابات الاجتماعية موجودة وأثرت كذلك على منظومة الإنتاج ووسائل النقل، وكشفت ضعف الدولة في المراهنة على الكفاءات، وهذا ما يستدعي التغيير بوضع أشخاص أكفاء وخبراء يشتغلون لمدة سنوات في إطار سياسة عمومية للدولة”. وتابع بن عبدالرحمن “الاضطرابات الاجتماعية التي تلت ثورة يناير 2011 ومنع الشاحنات والقطارات من نقل الفوسفات خلقا مناخا مصغّرا لعدم التشغيل”. واستطرد “بعد 2011 هناك جهات سياسية (لم يسمّها)، دخلت على خطّ الأزمة”. قطاع متعثر لأسباب تتعلق باحتجاجات منادية بالتشغيل قطاع متعثر لأسباب تتعلق باحتجاجات تنادي بالتشغيل وتعد تونس من أهم مصدّري مادة الفوسفات في العالم، لكن حجم الإنتاج تهاوى من 8.2 مليون طن سنويا إلى أقل من النصف منذ 2011 بسبب الإضرابات العمّالية والمطالب المرتبطة بتوفير فرص عمل والتنمية وارتباك تسع حكومات متعاقبة في معالجة أزمة أهم قطاع استراتيجي. وكانت تونس تصدر نحو 80 في المئة من الفوسفات إلى أكثر من 20 سوقا خارجية، وبفضل استقرار عمليات الإنتاج كانت تحتل المركز الثاني عالميا، لكن الاضطرابات وعدم تحمل القطاع لأكثر من 32 ألف شخص يعملون بشكل مباشر وغير مباشر دفعا البلاد إلى التقهقر في الترتيب. وباتت الاحتجاجات والإضرابات وسيلة الضغط الوحيدة على الحكومة للاستجابة لمطالب التشغيل من جانب المواطنين، ما أثر على نسق الإنتاج. ودعا نشطاء سياسيون إلى ضرورة تعامل الدولة وهياكلها مع ملف الفوسفات بوضوح والتعجيل بالبحث عن الحلول للأزمة، لما له من قيمة اقتصادية وتشغيلية، واقترح هؤلاء مساهمة شركة الفوسفات في دفع نسق التنمية بالبلاد. وقال الناشط السياسي حاتم المليكي (نائب سابق بالبرلمان المنحل) إن “ملف الفوسفات بدأ منذ تسعينات القرن الماضي، وواجهه النظام السابق (عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي) بفرض القوة الأمنية”. وأكّد لـ“العرب” أن “تونس لا تملك إجابة واضحة بشأن الشركات في محافظة قفصة وفي علاقة بالحوض المنجمي، واليوم هناك حالة من التمرّد في المنطقة لمحاولة فرض شروط على الدولة، وبحكم واقع الحريات أصبح هناك توقف متكرر للإنتاج واحتكار متواصل للفوسفات”. فوزي بن عبدالرحمن: الأزمة تستدعي خبراء يشتغلون في إطار سياسة للدولة وتابع المليكي “إلى اليوم ما يزال المواطنون في قفصة يدعون الحكومة إلى الجلوس على طاولة الحوار وإيجاد آلية مناسبة، واقترحت شخصيا أن تعطى نسبة من شركة فوسفات قفصة لفائدة البلديات، فضلا عن تأسيس بنك جهوي تنموي لدفع نسق التنمية بالجهة، عوض أن تكون ملاذا للتشغيل فقط”، لافتا إلى أن “هناك توظيفا حزبيا وسياسيا للملف في السنوات العشر الأخيرة لاستغلال الأزمة”. وكانت تونس أحد أكبر المنتجين في العالم لمعادن الفوسفات التي تستخدم لتصنيع المخصبات الزراعية (الأسمدة) لكن حصتها في السوق هبطت بعد 2011.وتأمل تونس في استعادة مكانتها كأبرز المصدرين، مستفيدة من ارتفاع كبير في أسعار الأسمدة بسبب الحرب في أوكرانيا. وبالنظر إلى غياب أرقام رسمية من وزارة الطاقة فقد قدّر البنك المركزي خسائر النقص في الإنتاج بنحو 40 مليون طن منذ 2011، بينما تجاوزت الخسائر المالية 7 مليارات دولار، لكن المحللين يرون أن الأرقام قد تتجاوز ما يتم الإعلان عنه رسميا. وقد تمثل زيادة إنتاج وتصدير الفوسفات دفعة هامة للمالية في تونس التي تعاني من أسوأ أزمة على الإطلاق وتوشك على الإفلاس. لكن حتى يعود الاقتصاد لالتقاط أنفاسه بالنظر إلى حجم الاختلالات في التوازنات المالية، يتطلب بلوغ الإنتاج مستواه الطبيعي عودة العمل في جميع أماكن الإنتاج والتي تستحوذ على حوالي 40 في المئة من الإنتاج الإجمالي للقطاع وقطع الطريق أمام أي محاولات لعرقلة نشاطه. وشركة فوسفات قفصة، ذات صبغة صناعية مختصة في إنتاج الفوسفات، تأسست عام 1987 برأس مال 268 مليون دينار (95.7 مليون دولار)، وتشغّل 7400 عامل بطاقة إنتاج حالية تبلغ 8.3 مليون طن. وتعاني الشركة منذ 2011 من تراجع لافت في حجم إنتاجها من الفوسفات التجاري جراء الاضطرابات الاجتماعية واحتجاجات المطالبين بالتشغيل في الجهة.
مشاركة :