(1) الكتابة ووحوش اللحظات الكتابةُ جَمرةُ الوقت وصهيلُ الروح عندما تحتاج إلى الكتابة كي تتنفس وجعك، اغترابك، ربما ضياعك، تتمنع الحروفُ بدلالٍ ولا تبدو أنها من الراغبات، ترفع رأسها عاليًا مزهوةً بفتنتها. تجلس أمامها تستعطفها أن تأتي لكنها وبعجرفةٍ بالغة تنظر إليك. تبتسم ابتسامةً خبيثة وتنهض من أمامك.. لتتركك تكابد وحيدًا وحوش اللحظات.... أه من الكتابةِ حين تصبح عصيةً على البوح. (2) الغرباء غُرباءٌ نحنُ، أينما حَللنَا نفلقُ الحروفَ من الصخرِ ومن الدَهشةِ أغبطهم أولئكَ الذين يعيشونَ الحياة ببساطةٍ ودون اهتمام.. الحياةُ بالنسبة لهم متعة.. ونحن أصحاب الحرف في كل زقاقٍ يطلُّ علينا من يقدم لنا الألم على طبقٍ من ذهب.. ألمٌ لا نريدهُ.. لا ننتظرهُ.. لكنه يأتي.. قالها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر «المعرفة هي الجحيم» وقال أيضًا «الآخرونَ هم الجحيم»... نعم المعرفة محرقة، والآخرون، بعض الآخرين ربما يجلبون لنا التعب. ليتني كنت انسانًا عاديًا. لا أفكر لا في قصيدة ولا قصة ولا رواية.. بل المتعة.. متعة الحياة ولو كانت متعةً غبية.. أحيانًا أتساءلُ هل القدر منحنا ملكة الكتابة وأرسل معها أوديةً من النيران.... مرةً في شبابي توجّهت إلى طبيب نفسي أشكو له اكتئابي فقال لي تريد أن تكون كاتبًا ولا تكتئب.. هذا مستحيل... لذلك قررت مداعبة الشقاء فربما يحنو ولو قليلًا...!! (3) الأماكن الأماكن وما أدراك ما هي... تختزنُ الذكرياتَ بين هوائها وجدرانها. كلما مررتُ بالأماكن القديمة التي احتوتني زمنَا لوّحتُ بيدي وأشعر أنها تبادلني التلويح أيضًا لأنها ما زالت هناك، وأنا ما زلتُ هناك، والوقتٌ نائمٌ هناك. أطوفُ صدفةً ببيوت الراحلين، أرفع يدي ملوّحًا، أحسُّ بالراحلين يستجيبون، يلوّحون أيضًا، هم ما زالوا هناك، والوقت ما زال رابضًا هناك. الوقتُ متكومٌ دائمًا في مخزن الذكريات.. الوقتُ هناك، ولا يمضي.. وحتى إن مضينا، سنظلُّ هناك. التلويحُ للأماكن عادةٌ جديدة تلبّستني فجأةً، بدأت أمارسها دائمًا، تشعرني براحة طاغية رغم الأسى على ما مضى... المهم أن الأماكن تستجيب.. وهذا ما يمنحني شعورًا دافقًا لا أعرف كيف أصفه. بداية جنون؟.. ربما.. لكنه ممتعٌ ولذيذ في وقت فقدت الأشياء بريقها ومعانيها واغواءتها...!!! Alqaed2@gmail.com
مشاركة :