سادت في الأيام الماضية في السياسة الباكستانية حالة من عدم اليقين في الاستقرار السياسي في البلاد خصوصا منذ تولي الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم السلطة، ما أدى إلى رسم صورة عنها أن الحكومة برئاسة شهباز شريف في أشد الحالات ضعفا، وسبب ذلك أنها لم تتخذ القرارات التي من شأنها تهدئة الأوضاع في البلاد، خصوصا وأنها لم تمس قيادات حركة الإنصاف حذرا من الوقوع في الأخطاء التي قد تُغضب حشود حركة الانصاف. فيما تابعت حركة الانصاف بقيادة رئيس الوزراء الأسبق عمران خان احتجاجاتها ضد الحكومة بطريقة شعبوية تم حقن الشعب فيها بعدد من التوهمات السياسية مثل إثارة مشاعر الكراهية ضد الغرب، إضافة إلى استخدام أدوات سياسية مبهمة والتي لم تثبت بشكل قاطع في الدوائر السياسية. بيد أن الأمور تغيَّرت مؤخرا خصوصا بعد أن أعلن عمران خان مسيرة سماها (العبودية غير مقبولة) -وهي إحدى الشعارات الشعبوية التي أطلقها خان بين مناصريه- وحدد الخامس والعشرين من مايو الجاري للتوجه نحو العاصمة إسلام آباد لخنقها، والضغط على الحكومة بحل البرلمان، وإجراء انتخابات جديدة. على إثر ذلك اجتمعت الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم، وقرَّرت أن تأذن لحركة الإنصاف بمسيرتها نحو العاصمة كحق الاحتجاج الذي يضمنه الدستور، بيد أنهم لن يسمحوا له بخرق أي قانون يؤدي إلى أي فوضى في العاصمة، كما قرروا عدم إجراء انتخابات مبكرة، بل أصروا على إكمال المدة المتبقية حتى أغسطس ٢٠٢٣م. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل تستطيع الحكومة الحالية إكمال مدة حكمها في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها باكستان؟! إذ أنها للخروج من المأزق الاقتصادي عليها أن ترضخ لاشتراطات صندوق النقد الدولي والذي يريد أن يشترط على الحكومة الحالية رفع أسعار النفط بنسب لا يمكن للشعب الباكستاني أن يقبل من الحكومة الحديثة، مما يعني أنها ستقع في توتر آخر مع الشعب الذي كان يشتكي أصلا من الغلاء الفاحش حتى نهاية عهد عمران خان، بل كان السبب الرئيسي في زعزعة حكومته غير المستقرة أصلا، وزاد بعد تنحيه، وهو الأمر الذي سيسبب إزعاجا شعبيا لحكومة شهباز شريف ما لم تجد حلا له. معنى ذلك أن بعض مفاتيح السياسة الباكستانية باقية -وللأسف الشديد- في يد صندوق النقد الدولي، وهذا ما أشارت إليه بعض الشخصيات القيادية في حزب الرابطة الإسلامية (فصيل نواز) والذين ذكروا أنه في حالة عدم التوافق على أمور معينة مع صندوق النقد الدولي من المناسب أو قد نضطر إلى إنهاء الحكومة حتى لا يقع على عاتق الحزب الحمل الشعبي الذي ستكون ضريبته قاسية في الانتخابات المقبلة. إلى أين ستتجه بوصلة الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم؟ سيتضح ذلك جليا بعد مفاوضات باكستان الجارية مع صندوق النقد الدولي في قطر، وكذلك ما ستؤول إليه الأمور عقب المسيرة المعلنة من قبل حركة الإنصاف الباكستانية، ولا زال هناك الكثير للحديث عن السياسة الباكستانية المتقلبة لحظيا.
مشاركة :