معارض الكتب التي تقام هنا وهناك تسهم إلى حد كبير في تعميق «المثاقفة» ،ويلزمنا التنويه بأن الصورة الذهنية التي انطبعت لدى البعض عن المثاقفة كانت خاطئة تماماً. إن المثاقفة لا تعنى بأي حال من الأحوال التبعية وطمس الآخر، وإنما هي مبنية أصلاً على المبادئ، أهمها كما يرى كثير من الباحثين: الاحترام المتبادل، التسامح، والاعتراف بخصوصية الآخر ونديته، ولهذا فهي تختلف اختلافاً جذرياً عما يعرف بالغزو الفكري أو الثقافي وهذا ما عناه الزعيم الراحل «المهاتما غاندي» حين قال: إنني أفتح نوافذي للشمس والريح، ولكنني أتحدى أية ريح أن تقتلعني من جذوري. لقد طبق أسلافنا مفهوم المثاقفة من القرن الأول الهجري وذلك بالانفتاح على الثقافات الأخرى حيث فعّلوا الترجمة التي هي بطبيعة الحال من أهم روافد المثاقفة، ويحسب للملك عبدالله يرحمه الله مبادرته في هذا الشأن التي بدأت مبكرة بفكرة «الجنادرية» إلى مشروع الملك ودعوته العالمية إلى حوار الأديان مما استدعى الجهات ذات العلاقة بالشأن الثقافي وحفزتها على تبني ما يخصها في هذا الجانب ،فكان لنادي مكة الثقافي فضل السبق عندما تبنى إقامة ملتقى ثقافي في هذا الشأن، لما في الثقافة من معنى المفاعلة ومعرفة دور الفن الإبداعي العربي بين مستويات فنون الآخر. لقد قام بإعداد هذا الدور الثقافي مجموعة كريمة من الباحثين والباحثات استجابة لدعوة النادي، استشعاراً منه لحمل مسئولية الكلمة الطيبة الهادفة المؤثرة وحظي النادي بتشريف صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير المنطقة بافتتاحه هذا الملتقى إيماناً منه بأهمية التبادل الثقافي بين الشعوب المختلفة على كافة المستويات. إن حرص البلدان على استضافة معرض الكتاب في كل عام يأتي من استشعارها بالمسئولية لتنشيط هذا الجانب الهام في حياة الشعوب، وجمعيات الثقافة والفنون تعد المثاقفة من أبرز المهام التي يلزمها تبنيها وتشمل الإنتاج السينمائي والغناء والموسيقى والعناية بالتراث بمفهومه الشامل حتى الخط العربي الذي حظي بعناية خاصة ضمن فعاليات (سوق عكاظ) يدخل ضمن المثاقفة. ومما يبني جسوراً للتواصل مع مختلف الشعوب والأمم العناية بالترجمة والتي حظيت أيضاً بالعناية والرعاية من قبل هذه البلاد المباركة، ولعل ابتعاث الأعداد الوفيرة من أبناء هذا الوطن لتلقى أحدث العلوم والآداب في أكثر بلدان العالم تقدماً يصب في إطار المثاقفة والتي تتجسد اليوم في معرض الكتاب الدولي الذي يقام في جدة في هذه الفترة كأحد روافد المثاقفة. Qadis@hotmail.com
مشاركة :