متوالية روائية تقفز 'من جراب الكُنْغُر'

  • 6/8/2022
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

في هذه المتوالية الروائية، التي صدرت عن دار ليفانت للدراسات والنشر والتوزيع في مايو/ايار 2022 للكاتب الروائي أحمد محمد عبده، نجد أنفسنا على فوهة "جراب الكنغر"، مدهوشين بما يقفز من ذلك الجراب حكاية وراء حكاية، بطريقة المنفصل المتصل، المنفصل كموضوع وفكرة، المتصل كبطل محوري وبيئة مكانية وزمانية واحدة، تنطلق الحكايات على بساط الفن السردي، في فضاء تأريخ فانتازي للواقع المصري المقهور، على كتفي "الحديدي" الشخصية المحورية في تلك الروايات القصيرة جدًا، لتتقاطع مع ما يدور في فلكه من شخصيات رئيسة وثانوية، بمفردات مُشكَّلة من طين القرية، ومنحوتة من جدرانها ومقابرها وأشجارها ومروياتها، هي خرائط تجاعيد وجوه الفلاحين. تضم هذه المتوالية الروائية عشر روايات قصيرة، منها على سبيل المثال "على بركة الرب"، "حمار لأوجيني"، "أفيون الملوك"، "حالات وأحوال تل السامر" و"عباءة أم شناف" و"الطوطم.". تدور أحداثها كل على حدة، في فترة القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، حتى قيام ثورة 23 يوليو/تموز 1952، رجعت للوراء في رواية منها بعنوان  "عظم في قفة" إلى زمن الحملة الفرنسية السابعة، بقيادة لويس التاسع على مصر عام 1249 ميلادية، والتركيز على تصرف امرأة مثل شجر الدر، التي قادت البلاد بذكائها إلى الانتصار وهزيمة الغزاة، والاسقاطات التي تطرحها هذه الرواية على الواقع المعاصر، غير ما تطرحه باقي الروايات من اسقاطات ودلالات.  تطرقت الأحداث إلى فترة حكم المماليك في بعض الأحيان، وما لاقاه الشعب المصري من أهوال، على طول هذه الحقب التاريخية، سخرة وفرض إتاوات ومظالم بكل أشكالها، الأمر الذي أدى إلى تشتت العائلات في أنحاء القطر المصري، هربًا من مظالم العمدة المسنود من السلطة، وجوع وحفاء وفقر وأمراض، في الوقت الذي كانت فيه الأنظمة الخديوية والملكية، تبعثر خيرات مصر على أمزجتهم وتوجهاتهم الخاصة، مجتمع الباشوات والبكوات، الذي ينهب خيرات  الفلاحين ويستنزف صحتهم، لا مبالاة الأمراء والسلاطين، وتُصور الروايات العادات والتقاليد والمعتقدات الشعبية، الناتجة من الفقر والجهل. كل رواية لها عنوانها ولها موضوعها الخاص، هي روايات من حيث تعدد الأحداث والتفاصيل وتعدد الشخصيات، والانتقال في الأماكن وفي الأزمان، وهي متصلة من حيث البيئة الواحدة، والزمن الواحد، والبطل الواحد، غير شخوص آخرين يدورون حوله، ومنفصلة فلا نستطيع الحكم عليها بأنها رواية واحدة كاملة متكاملة. لعبت شخصية الحديدي الدور الأساس في هذه الروايات، الفلاح المصري "المقاوم"، في معظم الأحيان، مقاومة إيجابية ومقاومة سلبية، كممثل لحالة الشعب المصري، الذي تعرض على طول حياته للقهر والفقر. تعالج وضع القرية المصرية التي عاشت تحت وطأة الفقر والقهر فترات طويلة، سُخرة قهرت الأهالي المساكين، تسخيرهم في مشاريع الدولة بالمجان وبالكرباج!!، تسلب الضرائب محاصيلهم الزراعية، وكذلك ريع تجارتهم، ومن يعترض فكرباج العمدة في انتظاره، إن لم يكن كرباج الشرطة، فيضطر الفلاح إلى الهرب بعائلته إلى قرية أخرى بعيدة،هجرتهم في أنحاء القطر المصري هربًا من السخرة والضرائب، عملت على بعثرة وتشتت العائلات. وكان العمدة والخفراء هم أيدي السلطة، في حين يُستنثى الأغنياء والأعيان من أي سُخرة ولا أي قهر، ولا أحد يعرف عن موقفهم من دفع الضرائب شيئا، كما تُسلب أرضه لتكوين مساحات شاسعة، يتم الإنعام بها على الباشوات والباكوات الأجانب، وبعض من المصريين، ومن هنا تكون الإقطاع. عاش الفلاحون في مصر حُفاة وشبه عُراه فترات طويلة، في الوقت الذي انتشر فيه السَّفه والبزخ والإسراف، فئة  الــ 99.5 بالمئة، تعمل لكي يستمتع مجتمع النصف في المئة! كما تعالج المتوالية الروائية بعض عادات أهل القرى، الدجل والطمع وانتحال الضعفاء أسماء العائلات الكبيرة،لعلها تحتمي تحت جناحها، والتسلط فيما بينهم، وأحوال وعادات العائلات الريفية، حين كان الرجل بأولاده وزوجاتهم وأولادهم ومواشيهم يعيشون تحت سقف واحد، حرصت الروايات على تجسيد حياة البسطاء، وفي أحد نصوصها يعالج الكاتب، التغير الاجتماعي الذي حدث بعد ثورة يوليو/تموز 1952. صدر للكاتب مجموعة من الروايات منها: "ثعالب في الدفرسوار"، "مكاشفات البحر الميت"، "بنات 6 أبريل"، "سرة البلد"... ومجموعات قصصية منها: "الجدار السابع"، "حفر في الباطن"، "نقش في عيون موسى"، "كلاب الصين"... كما صدر له عد من إصدارات الأطفال وكتب سياسية منها "حاخامات الدم في الشرق الأوسط"، و"مصر تخلع النقاب".

مشاركة :