العنوان أعلاه ليس لى، ولكنه عنوان تكرر كثيراً فى وسائط الإعلام المختلفة على مدى الأسبوع الماضى، إذ يشير إلى تطورات قضية انتحار طالبة تبلغ من العمر 16 سنة، فى مدينة الإسكندرية، بسبب «تعرضها للابتزاز من شخص استخدم صورة عارية منسوبة لها، وفضحها بين أهلها ومعارفها، ما أدى إلى انهيارها وإقدامها على قتل نفسها، عبر ابتلاع كمية كبيرة من الحبوب». أما بسنت فهى الفتاة القروية التى شغلت أخبارها الناس فى شهر يناير الماضى، حين «قتلت نفسها بابتلاع حبة الغلة السامة»، وفق ما أفادت التحقيقات، إثر «تعرضها للابتزاز من مجموعة من الأشخاص الذين استغلوا صوراً فاضحة منسوبة لها فى الضغط عليها، وهو الأمر الذى لم تتمكن من تحمله، فأقدمت على الانتحار». وللأسف الشديد، فإنه لم يمر وقت طويل حتى تكررت واقعة بسنت مرة أخرى، وللأسف الشديد أيضاً فإن تلك الوقائع لن تتوقف فى ظل بيئة اتصالية واجتماعية مشجعة لوقوع مثل تلك الجرائم والاختراقات. يعتقد البعض أن وقوع مثل تلك الحوادث يتزايد فى البيئات المحافظة فقط، أو الأوساط الأقل تعليماً وضعفاً وعدم قدرة على توظيف آليات الحماية الاجتماعية والقانونية، لكن هذين الانطباعين خاطئان، إذ تقع تلك الحوادث فى أكثر البيئات تحرراً، كما تجد ضحاياها بين أكثر الطبقات قدرة على الاستفادة من نجاعة آليات الحماية. ومن جانب آخر، فإن بعض الدراسات العلمية الموثوقة أثبت أن قابلية المراهقين والمراهقات تحديداً للتأثر بالجرائم ذات الطبيعة الإلكترونية تتجاوز غيرهم من الفئات الأخرى، كما أن تأثير الابتزاز الإلكترونى يكون أكثر قسوة على الضحايا من تلك الفئة بالذات مقارنة بغيره من الجرائم. وعلى سبيل المثال، فقد ظلت حادثة وقعت لمراهقة كندية تُدعى «جلين كانينج» فى العام 2011 ذات دلالة مؤثرة فى هذا الصدد، إذ تعرضت تلك الفتاة التى تبلغ من العمر 17 سنة لواقعة اغتصاب جماعى بحسب أسرتها، لكنها مع ذلك استطاعت أن تتكيف مع تداعيات تلك التجربة الأليمة، أما ما لم تستطع التكيف معه فكان خضوعها لعمليات ابتزاز وتنمر من شبان فى دائرتها الاجتماعية، استطاعوا أن يتوصلوا إلى شريط فيديو يصور واقعة الاغتصاب، وأن يستخدموه فى ابتزازها والتنمر عليها. انتحرت «جلين» فى العام 2013، أى بعد مرور عامين على واقعة اغتصابها، وتعليقاً على الحالة التى انتهت إليها ابنته قال والد تلك الفتاة قولاً شهيراً فى هذا الصدد: «لقد استطاعت التكيف مع مأساة الاغتصاب، لكنها أخفقت فى تحمل الابتزاز والتنمر». لا يمكن تصور حجم الضغط الرهيب الذى تتعرض له طفلة أو مراهقة أو فتاة راشدة نتيجة تكثيف عمليات الابتزاز والتنمر الإلكترونى ضدها، وهو ضغط يجعل التفكير فى الانتحار وسيلة مرغوبة وحلاً «مريحاً» فى بعض الأحيان، وهذا الأمر لا يقتصر على البيئات المحافظة فقط. فبعد واقعة انتحار «جلين» بعامين، أقدمت مراهقة فرنسية، تبلغ من العمر 14 عاماً، على اتخاذ القرار نفسه، عبر إلقاء نفسها من الطابق الرابع، فى البناية التى تسكن فيها، بحى «لورسا»، فى ضواحى باريس، بعدما وجدت أن مقاطع فيديو مُسرّبة للقاء جنسى جمعها بصديق قد غزت «يوتيوب»، ومعها تعليقات مهينة ومذلة وموجة عارمة من السخرية. يحدث هذا فى قلب الدلتا المصرية، أو فى منطقة العامرية على أطراف الإسكندرية، كما يحدث أيضاً فى مقاطعات كندا وضواحى باريس. وفى الولايات المتحدة تشكو الحكومة من ارتفاع «مقلق» فى معدلات انتحار الفتيات بين 10 إلى 14 عاماً، من نصف شخص لكل مائة ألف إلى 1.5 شخص لكل مائة ألف بنسبة زيادة 200%. ويتفق باحثون متخصصون على أن كلمة السر فى ذلك الارتفاع المطرد ليست سوى «التنمر السيبرانى» Cyber Bullying، الذى يستهدف خصوصاً الشباب فى تلك الشرائح، والذين لا يمتلكون القدرة والحماية اللازمة لمواجهة الضغوط المتولدة عنه. ويعتقد هؤلاء الباحثون على نطاق واسع أن «العزلة» العائلية التى يسببها الانخراط فى أنشطة «السوشيال ميديا» للمراهقين، التى تبقيهم بعيدين عن أعين أوصيائهم، أحد أهم أسباب تفاقم أثر الضغوط والتهديدات الآتية عبر تلك المواقع، إذ تشير دراسات موثوقة إلى أن 66% من الأهل ليس لديهم أى فكرة عما يفعله أولادهم على «الإنترنت»، وأن 50% من المراهقين الذين يستخدمون الشبكة لا يتمتعون بأى إشراف أو رقابة من الوالدين. إن حوادث انتحار المراهقات والإناث عموماً تقع فى مصر كما تقع فى عديد البلدان فى الشرق والغرب، لكن تلك الحوادث شهدت تزايداً مطرداً على مدى العقدين الفائتين، وهما العقدان اللذان شهدا فترة صعود وازدهار وسائط «التواصل الاجتماعى». لقد منحتنا تلك الوسائط مزايا عديدة، وهى ساعدت الشباب واليافعين على تعزيز مهارات التعلم، والانخراط فى الأنشطة الاقتصادية والإبداعية، والاندماج الاجتماعى، لكنها فى الجانب الآخر وفرت أدوات لبعض المجرمين والخارجين على القانون لممارسة الابتزاز والتنمر ضد الآخرين. نحتاج إلى تعزيز البيئة التشريعية المتعلقة بمعالجة حالات الابتزاز الإلكترونى، وتسهيل الآليات والإجراءات المُتبعة للإبلاغ وملاحقة المُبتزين، وتوفير القدر اللازم من السرية لبيانات الشاكيات خلال التحقيقات والمحاكمات. كما نحتاج أيضاً إلى إيلاء اهتمام كبير بمنظمات المجتمع المدنى التى يمكن أن توفر حماية ومساعدة لمنكوبى الابتزاز والتنمر الإلكترونيين.
مشاركة :