بين «البائع والمشتري» صفقة وشهادة بـ 50 ألف جنيه لزواج موسمي

  • 12/17/2015
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

قامت الدنيا، وهاجت وماجت، رافضة رفضاً تاماً أن تقعد. فـ «بناتنا لسن للبيع»، و«ستاتنا لسن بضائع»، و«كرامتنا من كرامتهن»، لكن صاحبات الشأن لا يعنيهنّ الأمر كثيراً. وأولياء أمور صاحبات الشأن متكدّرون منتقدون غاضبون، ليس لأسباب تتعلق بالبيع والشراء، لأن «البيع والشراء» حلال أصلاً، ولا لعوامل ذات صلة بالبضائع، فالبضائع ليست إهانة، ولا من باب حكاية الكرامة فمنهم من يلوّح بأن الجوع لا يترك وقتاً كثيراً للتفكير في الكرامة، والمتعلّق بتلابيب خط الفقر لا تقلقه كثيراً القضايا ذات الأبعاد الحقوقية والزوايا الشعورية. «شعورك إيه وأهلك يتعاملون معك وكأنك قطعة أثاث؟»، سألها المذيع الألمعي في محاولة لتسخين الحلقة التي تتناول تزويج الطفلات القاصرات من أثرياء عرب، فإذ بالزوجة الطفلة تبرّد الحلقة تماماً وتحوّلها لوح ثلج أقرب ما يكون إلى الموت. «شعوري إزاي يعني؟ مش فاهمة؟!»، ملامحها الطفولية التي عبث بها الزمن تؤكّد أنها لا تدّعي عدم الفهم. غالب الظن أنها المرة الأولى التي يسألها فيها أحدهم عن شعورها. شعور جمعيات حقوقية ومنظمات نسوية تعرّض لخدش بالغ وجرح غائر حين صدر قرار رقم 9200 لعام 2015، قضى بتعديل بعض أحكام قانون التوثيق الخاص بزواج أجنبي من مصرية. نصّ القرار على تقديم طالب الزواج الأجنبي من مصرية شهادات استثمار ذات عائد دوري في البنك الأهلي المصري بمبلغ 50 ألف جنيه باسم طالبة الزواج المصرية، واستيفاء المستندات المطلوبة لدى مكتب التوثيق، وذلك إذا كان فارق السن بينهما يتجاوز 25 سنة عند توثيق العقد. فمن وجهة نظر حقوقية بحتة، اعتبر عتاة الحقوقيين القرار في مثابة ترسيخ لقواعد سوق نخاسة وتجذير بمبدأ مقايضة الزوجة المصرية الصغيرة بزوج عربي مسن، ومتاجرة بالجنس في مقابل مادي في إطار قانوني. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (منظمة حقوقية) وصفت القرار بأنه «يتجاهل واقع الزواج الموسمي والسياحي في مصر»، واستغربت وضع شرط مادي لإقرار الزيجات في حال وجود فارق كبير في السن. وترى المبادرة أنه بدلاً من أن تضع الدولة شروطاً وضوابط ومعايير ودراسة كل حالة على حدة للتحقّق من كون عملية الزواج المطلوب توثيقها حقيقية ورضائية وليست شكلاً من أشكال الإتجار بالنساء، فقد أعاقت الزواج الرضائي بين البالغين في حال عدم امتلاك الزوج المبلغ المالي. كما انتقدت المبادرة وضع شرط مادي لتوثيق تلك الزيجات. وجاء في بيان لها، أنه «من السذاجة اعتبار مبلغ 50 ألف جنيه مثبطاً لمثل هذه الزيجات التجارية، بل على العكس قد يؤدي إلى زيادة معدلات الزواج الموسمي والموقت، لا سيما في غياب الرقابة واعتبار مثل هذه الممارسات شرعية». يذكر أن قانون التوثيق المصري لا يتيح توثيق عقود زواج الأجنبي بمصرية إذا كان فارق السن بينهما أكثر من 25 سنة، إلا بتصريح من وزير العدل أو من يفوّضه. وتشير المبادرة إلى أنه كان يجدر بالوزير أن يعدّل القرارات بما يتّسق وقانون مكافحة الإتجار بالبشر الصادر عام 2010، لا أن يجيز الزيجات التي يشتبه بكونها إتجاراً بالنساء. وذهبت المبادرة إلى حدّ اعتبار القرار في مثابة تقنين لجريمة الإتجار. «فبدلاً من شعور سماسرة وطالبي الزواج بالخوف ومحاولة إخفاء جريمتهم من طريق تجنّب الطرق الرسمية، سيستوفون شرط شهادات الاستثمار ويتوجهون إلى وزارة العدل لإتمام أوراق الزواج بمباركة الدولة». واتهمت المبادرة وزارة العدل بالتخلّي عن دورها في مكافحة هذه الجريمة المشينة، واعتبرت هذا الشكل من الإتجار شكلاً لا يمكن منعه، وبالتالي تحاول تحسين شروط استرقاق النساء، «من خلال ضمان حد أدنى في مقابل الخدمات الجنسية التي ستقدمها المصريات للأزواج الأجانب». وعموماً، فإن ظاهرة زواج الصغيرات من أثرياء عرب موجودة في عدد من القرى المصرية، لا سيما في محافظة الجيزة. ويقوم بدور الوسيط فيها سماسرة زواج محليون بالاتفاق مع نساء وفتيات فقيرات وأسرهن على الزواج من أثرياء عرب مدة زمنية محددة في مقابل مبلغ مالي. وتعتبر لجنة إلغاء أشكال التمييز كافة ضد النساء التابعة للأمم المتحدة، هذه الظاهرة أحد أشكال الإتجار بالبشر تحت غطاء الزواج، وذلك في ملاحظاتها الختامية للحكومة المصرية في عام 2010. وفي السياق عينه، وصفت «الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان» قرار وزارة العدل بـ «غير مدروس» ويعادي المجتمع المدني والقيادات النسائية «التي تعمل للارتقاء بأوضاع المرأة المصرية، ما يؤكّد أن الوزارة في معزل تام عن جهود الدولة الرامية إلى مكافحة إحدى الظواهر المجتمعية التي تهدّد أمن بنات مصر وسيداتها وسلامتهن، مستغلة في ذلك حالة العوز المادي وتدنّي الأوضاع الاقتصادية عند بعضهن»، وفق ما ورد في بيانها. وفي حين تتوالى بيانات الجمعيات والمنظمات المندّدة بشهادة الـ50 ألف جنيه، وتكال الاتهامات للدولة باعتبارها تقونن عملية الإتجار بالنساء، تخرج أصوات أخرى أكثر قرباً إلى الواقع. فمثلاً، تزوجت أسماء (16 سنة) 14 مرة، وفاطمة (17 سنة) 10 مرات، ولا تتذكر لبنى (19 سنة) عدد زيجاتها، وأنجبت ولدين لا تستطيع تحديد هوية أبويهما، حيث عدة المطلقة أمر غير وارد. فأحياناً، لا يفصل بين الزيجة والأخرى سوى يومين أو ثلاثة لا سيما في موسم الصيف! ولا تهاجم رئيسة مجلس إدارة المركز المصري لحقوق المرأة المحامية نهاد أبو القمصان، القرار، وإن كانت ترى أنه كان من الأفضل العودة إلى القانون الصادر في عام 1976، الذي يمنع الزيجات التي يزيد فيها فارق العمر بين الزوجين عن 25 سنة، وتكثيف التعاون مع الشرطة لمواجهة عصابات الإتجار بالفتيات، إضافة إلى دعم النظام القانوني والقضائي لمحاربة هذه الجريمة. وتعتبر أن هذه الوسائل تضمن حماية المرأة المصرية من الاستغلال وتضمن حقوقها، وليس بالضرورة من خلال زيادة المبالغ المدفوعة عند الزواج. أما المجلس القومي للمرأة، فقد رحّب بقرار وزارة العدل معتبراً إياه خطوة على طريق الاهتمام الرسمي بقضايا المرأة المصرية، ومناهضة شكل من أشكال العنف الذي تتعرّض له، مطالباً بإعادة النظر في قوانين الأحوال الشخصية بأكملها، معتبراً زيادة عدد السيدات اللاتي نجحن في الانتخابات البرلمانية عنصراً مفعّلاً لمثل هذه الخطوة. وبين قرار رسمي بحماية الطفلة والمرأة المصرية بـ50 ألف جنيه، ومهاجمة القرار من دون النظر إلى أرض الواقع، والإشادة به باعتباره إما حسن نية أو خطوة على الطريق الصحيح، تظلّ المشكلة الرئيسة الفقر والجهل اللذين يعصفان بنساء مصر وطفلاتها مرة بالإتجار عبر الزواج السياحي، ومرات بالتعامل مع المسألة من أبراج عاجية لا تمت إلى الواقع بصلة. ويكفي أن مشاعر الطفلة ذات الزيجات المتعددة تظل سراً لا يعرفه أحد، بمن فيهم هي شخصياً.

مشاركة :