صديقي النبيل الذي صدم الجبل بالطائرة يوم الأحد 5/1/ 1990.. وحيد البناي، زمن لن يُمحى من ذاكرة الأيام، رافد لا ينقص يؤجج الحنين كلما قدمته الذاكرة، جاء بشجن مؤلم تذهب به مسرعاً لفتح دفتر الذكريات. تبدأ تقرأ بحنين وتشاهد صوراً جمعتك بأفضل اللحظات التي عشتها، ما بين ركلة كرة على الشاطئ وبحر امتداده مسافات قطعتها بتحد بدفع كومة رمل على سيفته ورسم شجرة على صدر الماء. وهذا ما ركضنا لأجله وهكذا اندفعنا نحو تفريغ المكنون الغاضب. وهكذا حققناه بعدما كان أملاً. لم نتعاف بعد من الصدمة والفراق بعدما كانت ليلة فيها اجتمعنا بأمنيات لغد مشرق. هذه السنين، كلما رأيته وسرت نحوه تركته خلف ظهري، «الأحقب» أو جبل «حبر» في رأس الخيمة. جبل بطنه مفتوح ورأسه مرتفع، لم يستطع صديقي وحيد البناي، الطيران أعلى منه حتى كانت الجاذبية لحظة رامية مؤلمة في صدر الحياة، محركة الفراق وموسعة الفارق في علاقتنا الأخوية، جاذبة الحنين إلى القلب أكثر حراكاً وتذكراً. بينما وُجدت يتيمة المشاعر والكلمات ونحن نرددها على رصيف ومكان لم ندل أحداً عليه، ظلت بعد هذا البعد مجرد حكايات نرويها للناس بألم عن كيفية سقوط الطائرة ووزن الجبل، وتذكيرهم بأن الجبل الذي مرت عليه الطائرة حارس عظام وحيد الذي غاب ولم يقل شيئاً، وكان كله أمل وحب للحياة. وحيد الصديق النبيل الأكثر صمتاً والأعمق إخلاصاً للبلد ومن حوله ومن لم يتمكن من الجلوس معهم. أجيال أتت من بعد تلك الحادثة وشجت رأس الحقيقة وكتبت سطور النور في التضحية والوفاء. نم قرير العين يا وحيد، سأحكي لأحفادي عن نبل أخلاقك وحسن معاملتك للفقراء.يقول بو سيف الذي عمل معه: إنه الخلوق المجتهد النشيط، الذي يفرض احترامه بكل تقدير ومحبة للآخرين، كل ما يظهر منه طيب يؤنسك يريح قلبك خَيِّر معطاء واثق بالله سبحانه وتعالى. هذه هي دفاتر ذاكرتنا تحتفظ بالأشياء الثمينة وتحرسها من غبار الزمن والأيادي التي تحاول التغيير لصالح مضمونٍ آخر يهيمن عليها وتمنعه وتتصدى بالحقيقة له وتبعده، لكنها الحياة. من مهجة القلب تخرج أصدق مشاعرنا كلمات تختلف في الرثاء وتعابير كلما ذكرنا الرحيل عرفنا أنه فضة القلب وبياض السريرة ومعدن ثمين. إلى وحيد البناي: «ما في داخلنا دائما لك هو ذاك الاستثناء واللحظات المثيرة والحاسمة يا صديقي الطيار وداعاً»
مشاركة :