من سمات الشخص الذكي سيطرته على نفسه، وتماسكه وقت الشدائد والأزمات.. وهي من صفات الشخصية الدبلوماسية، التي تدل على قوته ومدى التزامه بكل ما هو صائب؛ للابتعاد عن ارتكاب أخطاء أو حماقات.. يقول أبو سليمان الداراني - رحمه الله-: "لا يصبر عن شهوات الدنيا إلا من كان في قلبه ما يشغله عن الآخرة". الاختلاء بامرأة؛ فما اختلى رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما؛ وهنا تكمن الحكمة والعقلانية من الوقوع في المحرم، وتلك طبيعة الحكماء.. وما قصة يوسف عليه السداد وامرأة العزيز إلا دليل على ذلك.. قال الفضيل بن عياض - رحمه الله تعالى-: "من استحوذت عليه الشهوات انقطعت عنه مواد التوفيق". هذه السيطرة على النفس من أغوال الشهوات الحياتية تقود الإنسان إلى بر الأمان، وتبعده عن الوقوع في المحظور؛ لأن المواقف الحياتية تتعدد بتعدد أنواعها السلوكية؛ فهناك ملك على كتفك الأيمن، وشيطان على كتفك الأيسر، وكلاهما يهمس في أذنيك.. حينها فاستمع إلى الأذنين معًا، وهذا ما دعت إليه "كوتنز أوشيا"، وتنصح به قائلة: "اجمع أصواتك الداخلية معًا، واستمع بدقة إلى ما تقوله".. قال مالك بن دينار- رحمه الله تعالى-: "من غلب شهوات الدنيا فذلك الذي يفر الشيطان من ظله". هذه الأصوات الداخلية - وما فيها من شهوات الدنيا- غالبًا ما تلعب دورًا في أفكارنا.. يقول أبو العتاهية: "ولرُبّ شهوة ساعة.. وقد أورثت حزنًا طويلاً".. فالحكماء والأذكياء دومًا ما ينجحون في تجاوز الأصوات السلبية، ويختارون الأصوات الإيجابية بكثير من الحكمة والصبر، ويعد هذا الصوت الداخلي لدى الإنسان هو نتاج عقله، وهو ما قاله الفيلسوف سقراط، حينما قال: "لا يكون الشخص حكيمًا حتى يتغلب على شهواته".. فهو ليس حالة من الهلوسة.. ومن يقع في الغضب الفاحش، وأقصد بأن الغضب ليس شعورًا سلبيًّا تمامًّا؛ فإنَّ قدرًا مناسبًا منه مطلبٌ ضروري للبقاء. كما أن هناك من الأصوات الداخلية ما تعذب أصحابها؛ فهي جمرة من الشيطان، يلقيها في قلب الإنسان، إلى درجة تداخلها مع شؤون حياتهم، وتقودهم لأفعال يندمون عليها بمجرد وقوعها؛ فيتعين عليهم الحصول على مساعدات طبية.. يقول الطبيب النفسي "غروش": "في بعض الأحيان تستولي الأصوات الداخلية على حياتك، لدرجة يصعب عليك السيطرة عليها". ويؤكد كذلك: "إن الأشخاص الذين يرون الجانب السيئ غالبًا ما يتعين عليهم الكفاح من أجل تعلم كيفية النظر في الاتجاهات كافة من جديد". يرى آخرون أن الصوت الداخلي أقوى أثرًا من كل ما يحيط بنا من الخارج!! ومن يهزم رغباته أشجع ممن يهزم أعداءه؛ لأن أصعب انتصار هو الانتصار على الذات، كما قال "أرسطو". كن مع من على كتفك الأيمن؛ فهو الصديق الحقيقي، وابتعد عمن هو فوق كتفك الأيسر؛ فهو عدوك اللدود!!
مشاركة :