أحلام الذاكرة - نجوى هاشم

  • 12/20/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يقول مارك توين الكاتب والمحاضر الأميركي الساخر والذي يلقب بعميد الأدب الأميركي "بعد مرور عشرين عاماً من الآن ستشعر بمزيد من خيبة الأمل ندماً على مالم تقم به وليس ماقمت به.. وهذا يعني أنه يجب عليك التحرر من القيود التي تعرقلك.. أبحر بعيداً عن الميناء الآمن وألق بنفسك في خضم الرياح العاتية.. استكشف وأحلم واستطلع.."! تأسرني فلسفة مارك توين كونه يقف على يسار الفكر السائد والذي تعودنا عليه.. وهو الندم على ما قمنابه.. والتمسك بأمواج نظن أنها عاتية وأنّ الزمن ليس بإمكانه أن يطويها أو يوقف مدّها.. هذا الإحساس أو هذا السلوك المعتاد في الحياة له جذور ضاربة في فكر الأغلبية.. وله قوة مطلقة في التفتح على مداخل سلاسل الندم والأسى والبحث عن الوجع.. ومن ثم الاختباء تحت عباءته والتدثر بها في معظم الأحيان وكأنها حصن الأمان.. بخطى متوقفة على بوابة الرثاء كخط أساسي للمسار.. والتصادم مع أي فكرة جديدة تريد أن تخرجك من هذه الدائرة الكئيبة والتي تدور بك في نفس الفكرة التي تستدعي الندم وتبحث عنه وتبجله.. وترفض أي فكر متقدم يدعو إلى الخروج من هذه الدائرة ومغادرتها كونها استوفت مالها وعليها.. ولم يعد هناك ما يمكن أن تكتشفه أو تتوقف لترثى له أو تنوح على أبوابه ومع ذلك تستنفد عمرك.. سنوات طويلة منه وأنت تنتصر لتفاصيل ساذجة وقديمة وبريئة وبسيطة وعابرة.. تنتصر لسطوتها ولقسوتها ولمرارتها رغم أنها مرارة غائبة لكن أنت تظل تكرس هذه المرارة وتستعذبها وتغوص فيها وفي تفاصيلها الغائبة..! هل هي طبيعة حياة عامة..؟ هل هي استعذاب لجلد يومي للذات.. تُصر أن تبقيه داخل زنزانة كل ماهو منتصر للماضي ولترسيخ إحساس ميت منذ زمن ولكن أنت تحاول أن تُحييه وتبقيه على قيد الحياة محنظاً.. وكل يوم تراه بأعين جديدة.. ومع اختلاف هذه الأعين إلا أنها تظل تكرس نفس الجلد اليومي؟ لم تفعل شيئاً ولم تكتسِ الذاكرة بما لا يليق ومع ذلك تنتصر دوماً للاشيء.. هل هذه هي فلسفة الحياة.. ربما؟ هل هذا هو ماتعرفه عن نفسك التي حولتها إلى مدينة محاصرة بشخص تغيب عنه أحلامه.. ويشع داخله بالرماد.. ويستدعي عيونه الفارغة.. لا ليملأها بالأمل ولكن ليشهد على احتضار أحلامها..؟ مغرق في الجمال مارك توين.. ومبهر في ملامسة تلك الجروح الباردة في دواخلنا وهو يقول "ستندم على مالم تقم به" ربما لأن مالم نقم به هو أولاً تحررنا من قيودنا الوهمية والقاسية.. وقدرتنا على كسرها.. والتمسك بفكرة القفز على السائد.. واستلهام التجريب.. وعدم الخوف الذي يذهب بنا إلى مدن مسكونة بالوحشة والموت.. هو الساكن ذلك المرعب المميت.. الذي يغلق أبواب العالم عليك ويشعرك بسلام وإن تغلغل في القلب إلا أنه سلام وهمي.. بارد.. خال من الدهشة.. بلون واحد.. يتنافى مع الفطرة التي تدفع إلى البحث والمحاولة والتجريب.. ومحاولة معرفة الذات وإدراكها والاشتباك معها بوعي.. دون تجاهل للعالم الخارجي كونه الجزء الأهم للانفتاح عليه.. وتشكيل إحساس جديد إيجابي بالدرجة الأولى تختبر فيه قدرتك على اكتشاف نفسك قبل أن تكتشف العالم الآخر وهو يأتي في المرتبة التالية..!! تحرر من قيودك التي صنعتها لنفسك.. بمعرفة أبجديات الحلم الذي لم تعرفه.. لا تحاول أن تستدعيه فقط ولكن اذهب إليه.. ابحث عنه.. مهما كان الوقت متقدماً كما تعتقد.. ومهما كان الثمن مكلفاً.. ولا تذبْ في إحساس "فات الآوان" ولا بد أن أنحاز إلى الواقع.. فالمسافة قصيرة جداً وهلامية بين الواقع وبين الحلم.. بين أن تبقى أسيراً لما فعلته وبين أن تفعل ما تريده.. بين أن تعيش نادماً على الوهم وبين أن تعيش نادماً على أنك لم تفعل أي شيء.. بين هذه المتلاحقات.. وبين انتظارك وتفكيرك.. تبقى تلك الذات التي تحكمك وعليك أن تحررها من الجمود من التوقف من البرود من مجاز الكلام.. من فكرة التعثر.. من الإخفاقات التي تضخمت.. من هروبها الدائم نحو الفراغ أو ما تعتقد أنه الملاذ.. إلى ذلك الطريق الذي تراه.. وذلك الساحل القريب البعيد والذي وإن لم يكن آمناً.. تقرأ غموضه وصعوبة التنقل داخله والإبحار على سواحله.. إلا أنك لابد أن تحاول وتجرب الإبحار متحفزاً مستمتعاً منبهراً بماتراه وستراه.. بهاجس أنّ الحديث لم ينته.. وأن عدم خوفك وجرأتك وبحثك وكسرك للقيود هو من يصنع هويتك ويؤمن لك توازنك النفسي واستقلالية شخصيتك..!!

مشاركة :