خزانة الذاكرة عندما تتفرغ - نجوى هاشم

  • 4/19/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

كل نفق مؤلم تعبر منه في الحياة تشعر أنه يمثّل تحدياً لك ولقدراتك.. التي كنت أحياناً لا تثق في إمكانية أن تتوفق على اللحظات الحرجة والقاسية وتتجاوزها!! غرابة الحياة وميزتها أحياناً تكمن في أنّ كل شخص اختار أن يمضي فيها بطريقته وتفكيره وقدرته على استيعاب ما يجري حوله.. فشخص قرر أن يعيش وهو يختلف مع الآخرين وينام ويصحو وهو يحسب من اعتدى عليه ومن مرّ مرور الكرام.. ومن يستحق أن يضربه بقوة ويمسح به.. ومن يستحق الصفعة.. يلتقط أفكاره دون ترتيب سوى أنه يخطط للوم الآخرين ويعمل لمحاسبتهم.. لأنه يعتقد أنهم كلهم بدون استثناء ضده.. هل هي فوقية التعامل؟ أم أنها دونية الإحساس بفهم الآخرين والتماس العذر لهم..؟ أم أنها صورة واحدة لصور عديدة لأشخاص يتماهون مع قناعاتهم ويتثبتون منها.. وبها ويغضبون ممن خالفهم ويعيشون على الارتزاق من هذا الغضب..؟ في الجانب الآخر تجد من يتمسك بصورة الحياة الأخرى كنبع لا يتوقف من الفرح ومن الأمل حتى وإن لم يرَه أو يلامسه.. ويظل متباعداً عنه وعن نفسه.. تصفعه الأيام.. ويخونه الأشخاص.. ويحمله الوجع متنقلاً به من ضفة إلى ضفة، ومع ذلك يسامح ويعبر.. ولو بعد حين.. قد يطرح التساؤلات، وقد تدميه الإجابات ولكنه يعرف جيداً أن السعادة موجودة، ويعرف أنه لابد أن يعرف طريقها، مهما غرق في الحيرة، ومهما احتاج داخله إلى إعادة تأهيل!! شخص ثالث ربما يبدو صامتاً ولكنه يعيش داخل دائرة يدور في أروقة تفاصيلها متنقلاً من زاوية كره إلى زاوية كره أخرى.. يقتله الوجع الذي ربما يكون قد تعرض له.. ولكنّ الصعوبة تكمن في الاستكانة داخل هذا المرار وتكديس الأيام السيئة في الداخل.. للعودة إلى تناولها كل يوم وتحويلها إلى وجبات معتادة لا يملّ من تناولها كل يوم.. معتبراً أن تناول وجبة الحب أو المحبة أو التسامح خيانة لنفسه! بين هذه الصور الثلاث تكمن الصورة التي يريدها كل شخص منّا.. ولعل صورة التسامح أو البحث عن الطمأنينة لتحل مكان الألم هي الأجمل مهما كانت فاتورة التكاليف لها باهظة في البدء.. إلا أنها ستدفع بك إلى شواطئ الجمال الإنساني اللامتناهي.. وستلمس من خلالها قلبك الذي لم تشعر به وسلمته لأوجاع في غالبها لا لزوم لها! تتسامح أولاً مع نفسك وهو المعنى الأشمل للتسامح لأن التسامح معها يمنحك فرصة الحوار معها وملامسة الجانب الإنساني منك وليس البشري.. ثم تتسامح مع الآخرين وهو الأسهل لأنه يأتي كمرتبة ثانية بعد التسامح مع النفس.. وعدم الاستمرار في جلدها.. ذلك أن التسامح مع الآخرين لا يعني بالضروة الرضى عنهم بل تعني غالباً - كما يقول أحدهم - البحث عن راحة البال بعيداً عن نقاشات وسجالات لا قيمة لها.. لأنه كلما زاد وعي ونضج الإنسان كلما أصبح يسامح الآخرين بسرعة دون اكتراث حتى ولم يتفق معهم على نفس المبدأ والرأي.. لأن مجرد نقاشهم يعني أنك تغوص في حلول قصيرة المدى تبدأ من تفسير ما حدث ومن ثم الانتقال إلى فكرة التسامح.. يقول غاندي: لا أحب كلمة التسامح، ولكن لا أجد كلمة أفضل منها.. ربما لأنها الخطوة التي تحملنا إلى بر الأمان.. وربما هي الحل الأوحد لأن تحيا في سلام.. خاصة بعد ألا تتوقف أمام ما كان يؤلمك أو تهتم به.. أو تحلله وتعتبره مهماً وتعتقد أنّ مغادرته أو الابتعاد عنه كارثة.. وهو ما كان يسبب لك تأزماً مع نفسك.. وداخلك! في التسامح مع نفسك تعيد اكتشاف ذاكرتك الحقيقية التي أهملتها واعتقدت أنها ملئت بصور لن تفارقها وأحداث ستظل تكتب كل يوم تاريخاً جديداً لها ولكن بمرور الوقت تكتشف أن الذاكرة فارغة من كل شيء ولا تحمل إلا صورتك أنت ومواقف إنسانية وألوانا مشرقة لآخرين أثروا بك وتناثروا حولك فاختصرت الذاكرة ذلك واحتفظت بهم.. تتسامح لأنك شخص طبيعي ومتوازن.. وتعيش الفصول الأربعة ومفردات الليل والنهار.. وتستطيع أن تفكر.. وتحترم ذاتك ونفسك.. وتختصر كل شيء في أنك تعرف ما تريد.. وأن الحياة شفافة لدرجة أنك تستطيع أن تلمح داخلك فقط.. فتتعاطى الحب مع نفسك وتتقاسم التفكير والتجاهل وعدم الاكتراث بمن يغضب أو يحاول أن يغضبك.. فخزانة الذاكرة لم تعد تتحمل أو تعبأ بتخزين مثل هذه المواقف..! وأخيراً يقول هربرت ويلز: "من لا يستطيع التسامح يهدم الجسر الذي يجب أن يعبره هو نفسه".. بمعنى أن التسامح هو تلك الظلال المتسربة داخلك أولاً ولا حياة طبيعية بدونها والتمتع بأضوائها!!

مشاركة :