لاريب أن المتابع للتطورات التقنية التي شهدها العالم خلال العقد الأخير، يجد بروز ظاهرة جديدة تتمثل بتزايد الإرهاب السيبراني، واختراق أمن المعلومات والبيانات. وقد ترافق ذلك مع تنامي الاقتصاد الرقمي والتقنيات الجديدة والتوسع في استخدام منتجات الثورة الصناعية الرابعة. حتى تحول إلى مجال رحب لثراء عصابات الجريمة المنظمة. لا بل أمكن حتى للمجرمين الأفراد الموهوبين في مجال تقنية الحاسوب من اختراق أمن نظم المعلومات للشركات والأفراد والحكومات. فأضحى وكأنه نمط جديد من الضرائب غير المشروعة المفروضة على الاقتصاد الرقمي والتقنيات الجديدة. فماذا نعني بالإرهاب السيبراني؟ وكيف نشأ، وكيف تطور؟ وهل يعجز العالم عن اجتثاثه؟ وكيف يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي تدنية مخاطرة والحد منه؟ هذا ما نتعرض له بالتحليل في عدد من المقالات، بدءا من تعريفه وتوضيح واقعه الراهن. يعرف الإرهاب السيبراني Cyber Terrorism بأنه الجرائم التي تستهدف النظم الرقمية والبنى التحتية والمعلوماتية للمؤسسات الحكومية والشركات الخاصة، والأفراد، من خلال اختراق وسرقة بيانات الهواتف وأجهزة الحاسوب والألواح الذكية. فقد أصبحت النظم الرقمية وبنيتها التحتية المعلوماتية سواء للحكومات أو الشركات والبنوك، والأفراد هدفا حيويا للتنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة. وقد ظهر الإرهاب السيبراني لأول مرة وبشكل واسع عام 2000، حينما انتشر فيروس الكمبيوتر (أنا أحبك I love you) وتسبب في تدمير معلومات قدرت قيمتها بنحو (10) مليارات دولار أمريكي. ثم ظهر فيروس بلاستر عام 2003 والذي تسبب في دمار (500) ألف جهاز كمبيوتر. وعلى الصعيد الخليجي تعرضت شركة أرامكو السعودية إلى هجوم سيبراني عام 2012. ومع نمو وتطور الاقتصاد الرقمي، والتقنيات الجديدة، تسارعت وتيرة اختراق الإرهابيين لشبكات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتعاظمت إمكاناتهم التقنية، وتعقدت سبل الوصول إليهم ومراقبتهم والحد من نشاطهم، فمثلما توفر هذه أساليب التقنية إمكانات كبيرة للتقدم والرفاهية، فإنها توفر وسائل متطورة وأسلحة جديدة لعصابات الجريمة المنظمة. فمثلا ارتفعت نسبة الهجمات السيبرانية وبرامج الابتزاز إلى (150%) خلال عام 2021 مقارنة بعام 2020. ومن آخر الجرائم السيبرانية ما تم إعلانها في شهر يونيو الجاري من تعرض تطبيق هورازيون بريدج الذي تستخدمه منصة هارموني لتبادل العملات المشفرة لهجوم إلكتروني تسبب في سرقة عملات بقيمة (100) مليون دولار أمريكي. ويعد هذا الحادث الثالث من نوعه خلال عام 2022، فقد سبقه سرقة (620) مليون دولار من تطبيق رونين بريدج، و(300) مليون دولار من تطبيق وورمهول بورتال. وعموما فقد بلغت خسائر شبكات البلوك تشين من عمليات الإرهاب السيبرانـي أكثر من مليار دولار. ومما عزز هذه الظاهرة الإجرامية الجديدة في السنوات الأخيرة سهولة تحقيقها أرباحا ضخمة لعصابات الجرائم السيبرانية وبكلف محدودة إن لم تكن معدومة الكلفة، فلا تتطلب أكثر من مراقبة لنظم المعلومات والاتصالات الخاصة بالشركات أو البنوك المراد اختراقها وابتزازها من قبل أفراد العصابة الذين تلقوا قدرا جيدا من التدريب في مجال تقنية الحاسوب والشبكات. ومما حفز على ذلك أن بعض الشركات مستعدة للخضوع للابتزاز ودفع أموال كبيرة في سبيل استعادة بياناتها، وعدم إفشائها للغير. علاوة على أن بعض الدول وأجهزة مخابراتها تعد انتهاك حرمة بيانات الشركات والدول الأخرى جزءا من أساليب الضغط السياسي. وقد سعى المجتمع الدولي منذ سبعينيات القرن الماضي إلى البحث عن أفضل الأساليب الممكنة للحد من الجرائم والإرهاب السيبراني، وشرعت الدول الأوروبية والولايات المتحدة قوانين ونظم تجرمهما، فيما أصدر المجلس الأوروبي اتفاقية بودابست بشأن الإجرام الإلكتروني عام 2001 ثم لحقها عدة اتفاقيات إقليمية ودولية منها اتفاقية شنغهاي للتعاون في مجال أمن المعلومات الدولي، واتفاقية كومنولث الدول المستقلة لمكافحة الجرائم في مجال المعلومات الحاسوبية، والاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات، واتفاقية الاتحاد الإفريقي بشأن أمن الفضاء الإلكتروني وحماية البيانات ذات الطابع الشخصي. كما اعتمدت الأمم المتحدة والكيانات المرتبطة بها مجموعة من الإجراءات لمكافحة الإرهاب السيبراني وأبرزها استراتيجية مكافحة الإرهاب السيبراني. فقد اتخذ مجلس الأمن عام 2017 القرار رقم 2341، حيث دعا الدول الأعضاء إلى «إنشاء أو تعزيز الشراكات الوطنية والإقليمية والدولية مع الجهات صاحبة المصلحة من القطاعين العام والخاص، حسب الاقتضاء، لتبادل المعلومات والخبرات من أجل منع الهجمات الإرهابية على الهياكل الأساسية الحيوية والحماية منها والتخفيف من آثارها والتحقيق فيها ومواجهتها والتعافي من أضرارها، وذلك بوسائل منها التدريب المشترك واستخدام أو إنشاء شبكات ملائمة للاتصال والإنذار في حالات الطوارئ». كما أنشأت الأمم المتحدة برنامج أمن الفضاء الإلكتروني لتعزيز قدرات الدول الأعضاء والمؤسسات الخاصة على منع الهجمات الإلكترونية التي تشنها المنظمات الإرهابية ضد البنية التحتية الحيوية للدول والشركات. وللموضوع بقية في مقال قادم إن شاء الله. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :