صالح البلوشي لمصر مكانة خاصة في قلوب العمانيين، وهذه المكانة لا يمكن اختصارها في عمود أو حتى في كتاب أو موسوعة، لأنها نابعة من القلب الذي يكن كل الحب والاحترام لهذا البلد العربي العريق، والعلاقات بين سلطنة عمان ومصر لها جذور تاريخية، فالتبادل التجاري بين البلدين يمتد إلى ما قبل 3500 سنة بين قدماء المصريين وأهل عمان، وازدادت طوال السنوات الـ52 الماضية. وكذلك فإن لعمان محبة خاصة في قلوب المصريين، وجيل النهضة المباركة تعلم على أيدي معلمين أغلبهم مصريين، وكانوا يتميزون بالصرامة وروح النكتة في آن واحد، وأغلبنا وخاصة جيل السبعينات كان يحفظ التاريخ المصري أكثر من جميع دول العالم بسبب وجود المسلسلات والأفلام المصرية التي لا تزال خالدة في الذاكرة العمانية، مثل رائعة "ليالي الحلمية" للمخرج الراحل أسامة أنور عكاشة، ومسلسل "المال والبنون" و"على أبواب المدينة" و"أرابيسك" وغيرها، كما تثقف أغلب جيلنا على أيدي الكتاب المصريين، أمثال: طه حسين ونجيب محفوظ وعباس محمود العقاد وعبدالرحمن الشرقاوي ومصطفى وعلي أمين وأحمد أمين وغيرهم. كما إن الذاكرة العمانية والعربية لا يمكن أن تنسى السيدة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفايزة أحمد ونجاة الصغيرة ومحمد عبدالوهاب، وأسماء كثيرة جدا لا يمكن حصرها، وأذكر بأننا عندما نوصي كل شخص يذهب إلى مصر سواء للدراسة أو السياحة أن يحضر لنا كتبا مصرية سياسية وأدبية وفكرية وغيرها. وقد شهدت العلاقات بين سلطنة عمان ومصر تطورا كبيرا طوال الـ52 السنة الماضية، وقد ساهمت السلطنة بشكل كبير في دعم المجهود الحربي المصري في حرب أكتوبر سنة 1973، وعندما قرر الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات توقيع اتفاقية السلام مع "إسرائيل" سنة 1979، قررت الدول العربية مقاطعة مصر وتعليق عضويتها في جامعة الدول العربية ونقل مقرها من القاهرة إلى تونس، ولكن سلطنة عُمان رفضت قطع علاقاتها مع مصر، ولم تكتف السلطنة برفض المقاطعة فحسب وإنما أكدت استمرار دعمها لمصر حتى عودة العلاقات كاملة بينها وبين الدول العربية وهو الذي حدث بعد ذلك في مؤتمر القمة العربي مؤتمر الدار البيضاء الطارئ في مارس عام 1990 المنعقد بالمغرب بفضل الجهود التي بذلتها سلطنة عمان. إن زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تأتي وسط ظروف دولية معقدة؛ إذ لم يكد العالم يتنفس الصعداء من جائحة كورونا التي تسببت في أزمات اقتصادية عالمية حتى استيقظ العالم على أنباء الحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت في أزمة غذاء عالمية وارتفاع الأسعار في العالم، ثم توقفت فجأة المفاوضات مع إيران لإحياء الاتفاق النووي والتصعيد الخطير في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي يستدعي استمرار المشاورات بين البلدين الشقيقين من أجل الخروج بموقف عربي موحد تجاه القضايا المختلفة التي تتعلق بالمنطقة وأمنها الاستراتيجي. إن القيادتين في سلطنة عمان وجمهورية مصر العربية تؤكدان في مختلف المناسبات على متانة العلاقات بين البلدين وتعزيز دعمها في المجالات المختلفة، وقد شهدت الأشهر الماضية الكثير من الزيارات المتبادلة بين وفود من البلدين، وهناك تطلعات لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين وخاصة في مجال الاستثمارات المشتركة بما يعود بالنفع على الشعبين الشقيقين.
مشاركة :