إميل أمين يكتب: كيف تنجو الأمم وتزدهر الشعوب؟

  • 7/2/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

هل هي مصادفة قدرية أم موضوعية أن يصدر هذا الكتاب المهم، في هذا التوقيت القلق والمضطرب حول الكرة الأرضية؟ آخر إصدارات سلسلة عالم المعرفة التي تقوم عليها وزارة  الثقافة في دولة الكويت، مؤلف يحمل عنوان: “الإصلاح.. كيف تنجو الأمم وتزدهر في عالم يتداعى”، من تأليف جوناثان تيبيرمان الكاتب والصحافي الكندي الخبير بالشؤون الدولية، ومن ترجمة الأستاذ الدكتور أشرف سليمان، أستاذ علم الاجتماع الريفي، مركز البحوث الزراعية. يحكي الكتاب في عشرة فصول، علاوة على المقدمة والخاتمة،  عددا من قصص النجاح لمجموعة من الدول على مستوى العالم، وكيفية تغلبها على التحديات التي بدت مستعصية، في شكل أقرب إلى دراسات الحالة لهذه الدول. تمثلت تلك التحديات في الفقر، والتطرف، والعنصرية، ومشكلات الموارد الاقتصادية، وغيرها من التحديات العصية، وقد انتقى الكاتب تجارب لبلدان من قارات العالم المختلفة، منها البرازيل وكندا وإندونيسيا ورواندا وسنغافورة وبوتسوانا  وكوريا الجنوبية والمكسيك والولايات المتحدة، ولقادتها الذين تجاوزوا ببلدانهم هذه المحن. لماذا التوقف مع هذا العمل الآن؟ يمكن القول إن بين دفتي هذا العمل القيم جدا، يجد المرء رجع صدى لا يتلكأ ولا يتأخر، لعلامة الاستفهام التي طرحها الأمير شكيب أرسلان عن تأخرنا وتقدم الآخرين، ومن هذا المنطلق يمكن للمرء أن يجد دروسا مفيدة، حتى وإن لم يكن التطبيق بالمطلق هو المطلوب، إذ يكفي روح الفعل نفسه، واستلهام قصص النجاح. ولأن المسطح المتاح محدود الكلمات، لذا رغبنا في أن نختار نموذج كوريا الجنوبية من بين النماذج العشرة، ونتأمله جليا، لما فيه من دروس مفيدة وخلاقة. يذكر المؤلف كيف أن النزاعات الأهلية دائما ما تكون مريرة، بيد أن كوريا كانت حالة خاصة، فخلال ثلاث سنوات، دمرت النزاعات كثيرا مما خلفه اليابانيون وراءهم، وفي الوقت الذي استعاد فيه الجيش الثامن بقيادة الولايات المتحدة العاصمة سول من القوات الكورية الشمالية والصينية في منتصف الحرب، تحولت عاصمة كوريا الجنوبية إلى حطام محترق. من بين سكان المدينة البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة، لم يبق سوى 200 ألف نسمة. وعلى الصعيد الوطني مات عشر السكان، ودُمرت البنية التحتية والاقتصاد في الجنوب بالمثل، ومن المعتقد أن نصف المنازل في شبه الجزيرة قد سويت بالأرض. تبدو المعجزة التي يتناولها المؤلف في أن كوريا الجنوبية في العقود التي تلت ذلك، تمكنت من تجاوز نشأتها التعيسة، وأن تزدهر بما يفوق توقعات أي شخص. تعد كوريا الجنوبية اليوم سابع أكبر دولة مصدرة في العالم، وتفتخر بإجمالي الناتج المحلي الذي يبلغ ترتيبه الثالث عشر في العالم، وتنافس إيطاليا ونيوزيلندا في نصيب الفرد من الثروة، وإذا زرتم سول اليوم، فستجدون آثارا قليلة من ماضي البلاد القاتم، والكثير من مجد الحاضر، متمثلا في ناطحات سحاب  مكان المباني التي تعرضت للقصف، ويتجول الشباب الموسر في الأحياء الراقية مثل غانغنام ويركبون مترو الأنفاق المتلألي بشبكات الواي فاي في المدينة، ويستمتعون بالأجيال الحديثة  من الهواتف الذكية. هنا يطفو على السطح التساؤل الجوهري: “كيف أنجزت كوريا الجنوبية كل هذا، وفي الوقت الذي يعاني فيه الشق الشمالي من الكوريا عينها شظف العيش، وتبدو إشكاليتهم الأهم متمثلة في رغيف الخبز، الأمر الذي يخلق تناقضا بنيويا مثيرا؟. تتبدى الإجابة بحسب المؤلف في أنها فعلت ذلك من خلال توسيع قاعدتها الاقتصادية بطريقة صحيحة لأكثر من خمسة عقود، وديمومة هذا النمو الاقتصادي شئ نادر للغاية، فمعظم الدول تجري، لكنهم ليسوا عدائي ماراثون، وفي حين أن كثيرا منهم تمكنوا من إخراج أنفسهم من براثن الفقر المدقع في نصف القرن الماضي، فإن قلة قليلة منهم – تبلغ 13 دولة فقط – عرفت كيف تحافظ على سرعة فرارهم، فيما توقف السواد الأعظم  بعد فترة وجيزة، عندما دخلوا  فخ الدخل المتوسط، وبعضهم قد ارتد إلى حالة البؤس. تعد كوريا الجنوبية واحدة من الاستثناءات النادرة، حيث لم تنتقل من الفقر إلى الثراء فقط، بل إنها تنمو أيضا على نحو أسرع وفترة أطول من أي دولة أخرى. خلال الخمسة والأربعين عاما التي تلت العام 1963، عندما بدأ اقتصادها ينهض لأول مرة، توسعت بمعدل يزيد على 7% سنويا، وانكمشت مرتين فقط في العام 1980 بعد صدمة النفط العالمية الثانية، وفي العام 1998 خلال الأزمة المالية الآسيوية. كل هذا يجعل كوريا الجنوبية مصدر إلهام للدول المعدمة التي تكافح من أجل البقاء وللبلدان المتوسطة التي تحاول تحقيق قفزة تالية، وللدول الصناعية الغنية التي تأمل في استمرار نموها. وعلى الرغم من شكاوى مواطني كوريا الشمالية من بعض المشكلات الحياتية، إلا أنها تظل دولة تُحسد بشكل كبير، حتى لو كان سكانها لا يقدرون ذلك دائما. بكل تأكيد ما من مكان مثالي على الأرض وكأنه يوتوبيا أو مدينة فاضلة، لكن هناك مائة دولة أخرى في العالم يمكنها تبادل الأماكن معها وبسعادة بالغة”. عظمة التجربة الكورية لا تنحصر في كونها واحدة من أغنى  دول العالم فقط، بل إنها أيضا مستقرة وعادلة نسبيا، وعلى  الرغم من بعض العوائق الحديثة، فهي من بين أكثر الأماكن حرية وحيوية للعيش في آسيا، إن لم يكن في الكوكب. ويبقى التساؤل الأخير قبل الانصراف.. كيف نعظم الاستفادة  من التجربة الكورية الجنوبية في عالمنا العربي؟. ربما نحتاج لإلقاء نظرة على بقية التجارب العشر الناجحة الأخرى في هذا المؤلف الشيق، وليس التوقف أمام كوريا الجنوبية فحسب.

مشاركة :