العنف الأسري يقود فتيات في مصر للهروب إلى الزواج العرفي

  • 7/4/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أصبح العنف الأسري والخشونة في التربية من محفّزات هروب بعض الفتيات من المنزل بعيدا عن العائلة والارتماء بين أحضان غريبة عنها دون استئذان أو مقدمات. بعدما تجد الفتاة نفسها مدفوعة للاختفاء بعيدا عن أسرتها أمام المعاملة القاسية والعنف اللفظي والجسدي، تسقط في دوامة التعرّف على شاب يغرر بها ويتزوجها عرفيا أو يوهمها بتعويضها عن أسرتها. أظهرت تحقيقات أجهزة الأمن في حادث اختفاء فتاة ظلت لأيام طويلة حديث الرأي العام في مصر أنها تزوجت عرفيا من شاب دون علم أسرتها، واختارت الهرب والإقامة مع شاب غريب لا تعرفه لمجرد أنه تقرب منها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي ووجدته أكثر رحمة ورأفة وعاطفة من الأب والأم عليها. رحاب العوضي: من غير المقبول منح تبريرات لمن تهرب من بيتها وتتزوج عرفيا وكشفت التحقيقات أن الفتاة قرّرت الهروب من بيت الأسرة بسبب ما تتعرض له من معاملة سيئة بلغت بها حد الشعور بأنها في سجن. وأعادت هذه القضية تسليط الضوء على العلاقة بين زواج الكثير من الفتيات عرفيا والترهيب النفسي الذي يتعرضن له من جانب الآباء وأحيانا الأمهات. ويختار الكثير من الهاربات من منزل الأسرة الزواج العرفي بمحض إرادتهن بحثا عن أحضان آمنة توفر لهن العاطفة المفقودة داخل العائلة، لكن المعضلة تكمن في عدم شعور الآباء والأمهات بالندم أو انتهاجهما أساليب خاطئة وغير إنسانية في التربية، ليستفيقوا فجأة على اختفاء الابنة من المنزل فيدّعون اختطافها من مجهولين. كان هروب بعض الفتيات من المنزل حتى وقت قريب رسالة احتجاج على طريقة التعامل السيئة معهن، وبعد فترة يرجعن إلى الأسرة. لكن اللجوء حديثا إلى الزواج العرفي بسبب العنف الأسري تزايد وأصبح من الصعوبة إنكاره، والمشكلة أن بينهن مراهقات يمكن بسهولة التغرير بهنّ من شباب يستغلون ظروفهن لانتهاك أجسادهن. لجأت شروق حسن (اسم مستعار) إلى الهرب من أسرتها بإحدى قرى محافظة القليوبية، في شمال القاهرة، بعدما تم إجبارها على الزواج من شاب لا تعرفه ولم توافق عليه، وعندما أبلغت أسرتها بالرفض تعرّضت إلى الضرب المبرح والإيذاء بالكلمات من والدها وأخواتها الذكور، ومع اقتراب موعد الزفاف اضطرت إلى الاختفاء من القرية. وقال عم الفتاة لـ”العرب” إنه تم العثور عليها عن طريق رجال الشرطة في إحدى الوحدات السكنية بمدينة السادس من أكتوبر، في جنوب غرب القاهرة، وكانت تعيش مع شاب تعرفت عليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأقامت معه علاقة عاطفية انتهت بالزواج العرفي، ولم يكن أمام الأسرة سوى أن تقتلها انتقاما لشرفها أو تزويجها للشاب بشكل رسمي، وقد اضطرت العائلة لاختار الخيار الثاني. وأضاف العم أن “الفتاة أعطت للعائلة درسا قاسيا في أسلوب تربية الفتيات، فقد كنا جميعا نعتقد بأننا نفعل الصواب مع بناتنا”. وأظهرت شروق في حديثها لـ”العرب” عند سؤالها عن دوافعها للهروب من المنزل، كراهية لأسرتها بسبب ما عبرت عنه من “سوء معاملة وتعنيف تتعرض لهما من قبل العائلة بذريعة تقويم سلوكها”. ◙ التقاليد الأسرية من السهل تحطيمها ◙ التقاليد الأسرية من السهل تحطيمها ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن أزمة الكثير من الآباء في تربية الفتيات تكمن في أنهم يتمسكون باتباع نفس أسلوب تقويم السلوك الذي ورثوه عن أجدادهم أو تربوا عليه في الصغر، ممثلا في المعاملة الخشنة والإجبار على الانصياع للأسرة ولو في القرارات الخاطئة، فالمهم أن تلتزم الفتاة بمبدأ السمع والطاعة. ويقول هؤلاء المتخصصون إن الاعتداء البدني واللفظي والترهيب النفسي لم يعد مناسبا للظروف الراهنة، لأن الأجيال الجديدة في حاجة إلى احتواء لا عقاب يدفعها للبحث عن بيئة آمنة، كما أن تطبيق أسلوب التربية على جميع الأبناء يقود إلى مشكلات نفسية للفتيات تحديدا، فالأنثى بطبيعتها في حاجة إلى الاحتواء والطمأنينة. وأكدت رحاب العوضي، استشارية العلاقات الأسرية بالقاهرة، أن الفتاة بطبيعتها تحتاج إلى خصوصية في طريقة التربية، لأن المعاملة الخشنة لا تتناسب معها، ولو لم تفصح عن ذلك، فهي تستجيب وتصمت التزاما بعادات وتقاليد الأسرة والمجتمع، لكن هناك فتيات يصل بهنّ الأمر إلى اختيار الهرب عن البقاء في سجن الأسرة ولو خسرن كل شيء، وهذا لا يأتي من فراغ، بل بعد ظروف لا تحتمل. وأضافت العوضي لـ”العرب” أن هروب الفتاة من منزلها خطأ تتحمله الأسرة والابنة أيضا، لكن من غير المقبول منح تبريرات لمن تهرب من بيتها وتتزوّج عرفيا، لأن ذلك يوسع القاعدة، ويجب التعامل مع هذه الوقائع كجرس إنذار لباقي الأسر التي تتشدد في التربية وتتعامل بطريقة عنيفة مع الفتيات وتعتبرهن تابعات لا صاحبات قرار. أزمة الكثير من الآباء في تربية الفتيات تكمن في أنهم يتمسكون باتباع نفس أسلوب تقويم السلوك الذي ورثوه وتفتقد الكثير من الأسر في ريف مصر إلى الحد الأدنى من المعرفة والفهم لطبيعة التركيبة النفسية للفتيات في الوقت الراهن، فالأغلبية منهن يملن إلى الاستقلال والبحث عن بيئة آمنة، وإذا لم يجدن هذه المزايا داخل منازلهن يبحثن عنها عن طريق غرباء، فيقعن في مشكلة الزواج العرفي بحجة أن ذلك أنسب الخيارات المتاحة لاسترداد الأمان المفقود. وطالما استمرت بعض العائلات على مبدأ تقديس أسلوب التربية التقليدي فمن غير المتوقع القضاء على ظاهرة هروب الفتيات من المنازل، لأن أجيال اليوم يختلفون عن الماضي من حيث الميل إلى التمرد على العادات والتقاليد والموروثات المجتمعية، مقابل الانطلاق والتحرر من القيود الأسرية ورفض التدخل في قراراتهم الشخصية. وأشارت العوضي إلى أن ثمة شريحة من فتيات الجيل المعاصر يملن بشكل أكبر إلى رفض الإجبار على نمط حياة مرفوض بالنسبة إليهن، فيتمردّن على القوانين العائلية التي لا تتوافق مع أحلامهن وطموحاتهن. وهؤلاء في حاجة إلى احتواء أسري من نوع خاص، لأن المقابل سيكون تكوين صداقات غير سوية وإقامة علاقات زواج غير معترف بها ويعرّضن أنفسهن إلى التغرير بهن. وهذه النوعية من الفتيات عندما تصل علاقتهن بمنزل الأسرة إلى حد الكراهية من غير المتوقع احترام الأعراف أو التقاليد، لأن التمرد بالنسبة إليهن يظل الحل الوحيد للعيش حياة آدمية، مهما كانت الخسائر المستقبلية ويلجأن إلى كسر الوالدين بالهرب وتقديم أنفسهن على طبق من ذهب لمن يرغب في الزواج منهن عرفيا. وتزداد خطورة القضية مع وجود فتيات يعشن في بيئات ريفية أو شعبية يسلكن مسار الهروب من البيت، في حين كان الأمر قاصرا على مراهقات المدن اللاتي تربين على أسلوب حياة مختلف، ويشي تغيير المعادلة بأن التقاليد الأسرية من السهل تحطيمها أمام التمسك بنمط تربية وأسلوب عقاب يقومان على الخشونة بدلا من الاحتواء.

مشاركة :