نحن أمة لها حضارتها وثقافتها - د.عبدالرحمن بن أحمد الجعفري

  • 7/15/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يخطئ الغرب في تقديره لمدى عراقة وأصالة الحضارة والثقافة العربية والإسلامية، وجذورها الضاربة في القِدَم، والتزام الإنسان المسلم بتلك الحضارة وقيمها الخالدة، ويحاول جاهداً فرض قيمه الأخلاقية المتردية التي لا سند شرعي إلهي يعززها ويسندها، بل هي تعبير عن النزعات الشيطانية في النفس البشرية المريضة، ويقف الغرب أمام عالَمٍ جذورُ حضارته وقيمه الراقية تمتد إلى قرابة خمسة عشر قرناً من الزمن والتزامُه بها يزداد عبر الزمن، فيحاول عبثاً المساس بتلك الثقافة وأصولها. بسطوع شمس الإسلام الذي جاء به رسول البشرية محمد بن عبدالله -عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى التسليم- على جزيرة العرب، جاء فجر جديد يحمل معه قيماً ومبادئ سامية، فقد جاءت التعاليم الربانية حاملةً معها أسمى القيم وأعدلها، نقرؤها ونتدبرها كمسلمين في كتاب الله في نهارنا وليلنا، جاءت لتجعل الإنسان المسلم سوياً، وتضعه أمام مسؤولياته الإنسانية القويمة، من خلال تهذيبه ليكون متصالحاً مع البيئة ومع إخوانه في البشرية، ومن الغريب أنْ يأتي الغرب الذي تنكَّر لمسيحيته التي تشتمل على قيم سامية وفاضلة جاءت في الكتب المقدسة عندهم وجاء بها النبيون، ليتخلوا عنها، ويبتدعوا ديناً جديداً قوامه العودة إلى سلوك الإنسان البدائي الذي ليس له التزام بالقيم الإنسانية التي جاءت من الإله الحق، ويستبدلوا بها قيماً تحمل في طياتها الشريرة الفساد والفجور. التعايش والتعاون بين الدول ضرورة لا بد منها، فالبشرية بجميع مكوناتها تعيش على كوكب الأرض الصغير، ولا طريق لها لتعيش بسلام إلا بالتعايش وتبادل المصالح، ومن ضرورات ذلك احترام قرارات الآخر السيادية وحضارته وثقافته، هذا الفهم وهذا التفكير هو الطريق لعالَمٍ تنعم فيه الشعوب بالأمن والسلام والاستقرار، أما طريق فرض الإرادات، ونهب ثروات الشعوب، كما كان ذلك في عصر الاستعمار الغربي للبلدان، فقد انتهى إلى غير رجعة. في هذه الأيام تستقبل المملكة العربية السعودية الرئيس جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، متناسيةً -لا ناسية- مواقفه غير المحسوبة تجاهها، وتناسيه العقود الطويلة من التحالف الذي ميَّز العلاقة بين البلدين، والذي بُني على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل بين الشعبين الصديقين، الذي قوامه احترام كل بلد لثقافة الآخر واستقلالية قراره الوطني، وهذا الفكر هو الأجدى والأصلح في العلاقات الدولية وقد كان ناجحاً وخدم البلدين في الماضي. سلوك المملكة المبدئي في علاقاتها مع الدول يدل على عمق وتميُّز السياسة الخارجية السعودية، وهو مبني على أساس من الحكمة والمعرفة بأصول السياسة وعلاقات الدول، والتي لا تخضع للتقلبات والتغيرات التي تمر بها سياسات بعض الدول نتيجة التغير في القيادات والأمزجة التي تأتي بها تلك التغيرات، وهنا لا بد من وقفة نتصارح فيها مع الضيف الكريم القادم والممثل لدولة كبرى نحترم شعبها ونقدِّره. أولاً: أهلاً وسهلاً بك في وطنٍ ديدنه إكرام الضيف واحترامه، وطن يُكِنُّ للشعب الأمريكي الصديق كل احترام وتقدير. ثانياً: المملكة العربية السعودية دولة مستقلة ذات سيادة ولها تاريخ وحضارة عريقة ضاربة جذورها في التاريخ البشري، ويتبَع تلك الحضارةَ ما يزيد على مليار ونصف مليار إنسان، دولة لها قيمها وتستمد قوانينها وأنظمتها من كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تحيد عن ذلك قيد أنملة. ثالثاً: المملكة لها مصالح ليست بالضرورة متطابقة مع مصالح الولايات المتحدة، وحكومة المملكة ملزَمة بالضرورة أمام شعبها بحماية مصالحها، بالطبع هناك مجالات يمكن التعاون فيها بين البلدين ونحن على استعداد ونرحب بالتعاون معكم فيها كما نرحب بالتعاون مع بقية الدول الصديقة مثلكم. رابعاً: المملكة العربية السعودية لها رسالة وعليها واجب نحو أمتها العربية والإسلامية، ومن القضايا التي تراها ذات أهمية قضية الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه المغتصبة، وقد طرحت المملكة مبادرة لحل تلك القضية من خلال عودة إسرائيل إلى حدود عام 1967م وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ونأمل من الولايات المتحدة الأمريكية الدعم لهذا الحل لكي يحل الأمن والسلام في منطقتنا. خامساً: المملكة كانت ولا تزال تعمل على موازنة العرض والطلب في سوق النفط، وقد أنفقت مليارات الدولارات على استكشاف وتطوير حقول نفطها؛ لتلبية الطلب العالمي على هذه السلعة المهمة والإسهام في استقرار الأسواق العالمية، في الوقت نفسه الذي اتجهت فيه بعض الدول لإصدار تشريعات تحد من الإنتاج في بلادها، ولا تشجع بناء المصافي لتلبي الطلب عندها، كما أن الضرائب المفروضة على النفط في تلك الدول مرتفعة؛ ما يجعل المستهلِك النهائي يدفع ثمناً باهضاً في محطات الوقود، وهذا أمر لا بد من أخذه بعين الاعتبار ومن جوانبه كافة. أختم بالقول إنَّ بناء العلاقات المشتركة التي تصمد أمام التغيرات التي تطرأ عبر الزمن، هي تلك التي تكون مبنية على فهم عميق واحترام كامل لحضارات الشعوب ومصالحها، والتعاون في القضايا ذات الاهتمام المشتَرَك.

مشاركة :