توسيع حلف الناتو ومستقبل العلاقة بين الغرب وروسيا

  • 7/24/2022
  • 09:24
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أنتجت‭ ‬قمة‭ ‬منظمة‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ (‬الناتو‭ ‬2022‭) ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬مدريد،‭ ‬إسبانيا،‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬28‭ ‬إلى‭ ‬30‭ ‬يونيو،‭ ‬مفهومًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬جديدًا‭ ‬للتحالف‭ ‬الذي‭ ‬أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬قبل‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬فقط‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬ميت‭ ‬عقليًا‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬سيحدد‭ ‬مستقبلها‭ ‬للسنوات‭ ‬العشر‭ ‬القادمة‭.‬ في‭ ‬الواقع،‭ ‬بفضل‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬عاد‭ ‬أكبر‭ ‬تحالف‭ ‬عسكري‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وبقوة‭. ‬أصبحت‭ ‬روسيا‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬هدفها‭ ‬الرئيسي‭. ‬ويطلق‭ ‬عليها‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الجديد‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬التهديد‭ ‬الأهم‭ ‬والمباشر‭ ‬لأمن‭ ‬الحلفاء‭ ‬وسلام‭ ‬واستقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬الأوروبية‭ ‬الأطلسية‮»‬‭.‬ دول‭ ‬ذات‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الحياد،‭ ‬مثل‭ ‬فنلندا‭ ‬والسويد،‭ ‬ستنضم‭ ‬قريبًا‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تخلت‭ ‬تركيا‭ ‬عن‭ ‬معارضتها‭. ‬سيضيف‭ ‬الناتو‭ ‬1300‭ ‬كيلومتر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭. ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬يتمتع‭ ‬الناتو‭ ‬أيضًا‭ ‬بـ«تواجد‭ ‬أمامي‭ ‬مُعزز‮»‬‭ ‬في‭ ‬إستونيا‭ ‬ولاتفيا‭ ‬وليتوانيا‭ ‬وبولندا‭. ‬إن‭ ‬التطويق‭ ‬الغربي‭ ‬لروسيا،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يلوح‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬قبل‭ ‬وبعد‭ ‬ثورة‭ ‬1917‭ ‬البلشفية‭ ‬واستمر‭ ‬بنفس‭ ‬الحماس‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الشيوعية،‭ ‬قد‭ ‬اكتمل‭ ‬الآن‭ ‬تقريبًا‭.‬ لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬تداعيات‭ ‬مذهلة‭ ‬على‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين‭. ‬كان‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬بالطبع‭ ‬مصدرًا‭ ‬لعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬وتهديدًا‭ ‬للسلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين‭ ‬طوال‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬أداة‭ ‬مركزية‭ ‬للمشروع‭ ‬الإمبريالي‭ ‬الأمريكي‭.‬ مع‭ ‬توسع‭ ‬الناتو‭ ‬شرقًا‭ ‬بعد‭ ‬تفكك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬أدى‭ ‬دور‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أحادية‭ ‬القطب‭ ‬إلى‭ ‬زرع‭ ‬بذور‭ ‬عدم‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والقوى‭ ‬الغربية‭ ‬ومهد‭ ‬الطريق‭ ‬لتجديد‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬أمده،‭ ‬والذي‭ ‬يذكرنا‭ ‬بالحرب‭ ‬الباردة‭.‬ يتحمل‭ ‬التحالف‭ ‬الذي‭ ‬تقوده‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والمتمحور‭ ‬حول‭ ‬الغرب‭ ‬قدرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬المأساة‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬توقع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬خبراء‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية‭ ‬أن‭ ‬توسع‭ ‬الناتو‭ ‬باتجاه‭ ‬الشرق‭ ‬كان‭ ‬خطوة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إثارة‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬روسي‭ ‬عدائي‭. ‬كانت‭ ‬روسيا‭ ‬تحذر‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬توسع‭ ‬الناتو‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭. ‬ففي‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬1993،‭ ‬أرسل‭ ‬بوريس‭ ‬يلتسين‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬بيل‭ ‬كلينتون‭ ‬حذر‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬توسيع‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬قد‭ ‬تفسره‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬تهديد‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭.‬ قال‭ ‬بوريس‭ ‬يلتسين،‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬لروسيا‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬للصحفيين‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفي‭ ‬عام‭ ‬1997‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬بيل‭ ‬كلينتون‭ ‬في‭ ‬هلسنكي‭ ‬حيث‭ ‬وقع‭ ‬الطرفان‭ ‬بيانا‭ ‬بشأن‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬التسلح‭: ‬‮«‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬توسع‭ ‬الناتو‭ ‬باتجاه‭ ‬الشرق‭ ‬خطأ‭ ‬وخطأ‭ ‬خطير‭ ‬في‭ ‬ذلك‮»‬‭. ‬ في‭ ‬قمة‭ ‬مدريد،‭ ‬اتفق‭ ‬قادة‭ ‬الناتو‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬استراتيجي‭ ‬جديد‭ ‬للحلف‭ ‬سيجعل‭ ‬العالم‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬الآن،‭ ‬ولكن‭ ‬قبل‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬تعنيه‭ ‬استراتيجية‭ ‬الناتو‭ ‬الجديدة‭ ‬للنظام‭ ‬العالمي،‭ ‬دعونا‭ ‬نتذكر‭ ‬بإيجاز‭ ‬تاريخ‭ ‬التحالف‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬تقوده‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬ تم‭ ‬إنشاء‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1949‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬و11‭ ‬دولة‭ ‬غربية‭ ‬أخرى‭ ‬بهدف‭ ‬معلن‭ ‬وهو‭ ‬العمل‭ ‬كرادع‭ ‬لغزو‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭.‬ بالطبع،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬تهديد‭ ‬عسكري‭ ‬سوفيتي‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لدى‭ ‬الزعيم‭ ‬السوفييتي‭ ‬جوزيف‭ ‬ستالين‭ ‬أي‭ ‬نية‭ ‬لغزو‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬متسلطا‭ ‬في‭ ‬حكمه،‭ ‬لكن‭ ‬نهجه‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مدفوعًا‭ ‬بالأيديولوجية‭ ‬بل‭ ‬بإملاءات‭ ‬السياسة‭ ‬الواقعية‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬شديد‭ ‬الواقعية،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لديه‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬عسكرية‭ ‬مع‭ ‬الأمريكيين‭ ‬والبريطانيين‭ ‬في‭ ‬القارة‭.‬ كتب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬هاري‭ ‬ترومان‭ ‬في‭ ‬مذكراته‭ ‬بتاريخ‭ ‬17‭ ‬يوليو‭ ‬1945،‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬مؤتمر‭ ‬بوتسدام‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭: ‬‮«‬يمكنني‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬ستالين‭. ‬إنه‭ ‬أمين‭ - ‬ولكنه‭ ‬ذكي‭ ‬مثل‭ ‬الجحيم‮»‬‭.‬ في‭ ‬الواقع،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬نهج‭ ‬ستالين‭ ‬الجيوستراتيجي‭ ‬موجهًا‭ ‬نحو‭ ‬تصدير‭ ‬أيديولوجية‭ ‬ثورية‭. ‬وأشار‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬أجريت‭ ‬عام‭ ‬1936‭ ‬مع‭ ‬روي‭ ‬هوارد،‭ ‬رئيس‭ ‬صحيفة‭ ‬سكريبس‭ ‬هوارد‭: ‬‮«‬إن‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة‭ ‬هو‭ ‬هراء‮»‬‭.‬ كان‭ ‬الشاغل‭ ‬الأساسي‭ ‬لستالين‭ ‬هو‭ ‬أمن‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭. ‬كان‭ ‬اهتمامه‭ ‬بوضع‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬تحت‭ ‬إبهامه‭ ‬بغرض‭ ‬إنشاء‭ ‬منطقة‭ ‬عازلة‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفيتي‭. ‬فقد‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬27‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬ونصف‭ ‬صناعتها،‭ ‬ودمرت‭ ‬آلاف‭ ‬القرى‭ ‬والبلدات‭ ‬والمدن‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الثمن‭ ‬الذي‭ ‬دفعه‭ ‬لإنقاذ‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬ألمانيا‭ ‬النازية‭.‬ من‭ ‬المؤكد‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬الجيد‭ ‬تذكير‭ ‬القراء‭ ‬الغربيين‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬أربعة‭ ‬أخماس‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وقع‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬الشرقية،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬عانى‭ ‬فيه‭ ‬الألمان‭ ‬تقريبًا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ضحاياهم‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬رودريك‭ ‬بريثويت،‭ ‬السفير‭ ‬البريطاني‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬صرح‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭/ ‬الاتحاد‭ ‬الروسي‭ ‬بدقة‭ ‬خلال‭ ‬محاضرة‭ ‬ألقاها‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬يونيو‭ ‬2005،‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬كينان‭.‬ لجميع‭ ‬الأسباب‭ ‬المذكورة‭ ‬أعلاه،‭ ‬فإن‭ ‬مجرد‭ ‬الاقتراح‭ ‬بأن‭ ‬ستالين‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لديه‭ ‬أي‭ ‬نية‭ ‬للشروع‭ ‬في‭ ‬مغامرات‭ ‬عسكرية‭ ‬جامحة‭ ‬لغزو‭ ‬باريس‭ ‬أو‭ ‬لندن‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬رفضه‭ ‬باعتباره‭ ‬سخيفًا‭ ‬تمامًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أي‭ ‬صانع‭ ‬سياسة‭ ‬عقلاني‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هو‭ ‬الحال‭. ‬خذ‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬سياسي‭ ‬معروف‭ ‬بمواقفه‭ ‬الرجعية‭ ‬المناهضة‭ ‬للشيوعية‭ ‬مثل‭ ‬ونستون‭ ‬تشرشل‭.‬ كان‭ ‬تشرشل‭ ‬معروفا‭ ‬بكراهيته‭ ‬المرضية‭ ‬تجاه‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬عملية‭ ‬بربروسا،‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الانهيار،‭ ‬كانت‭ ‬روسيا‭ ‬الشيوعية،‭ ‬وليس‭ ‬ألمانيا‭ ‬النازية،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬اعتبرها‭ ‬نقيضًا‭ ‬بربريًا‭ ‬للحضارة‭ ‬الغربية‭.‬ كتب‭ ‬إلى‭ ‬أنتوني‭ ‬إيدن‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬1942‭: ‬‮«‬ستكون‭ ‬كارثة‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬إذا‭ ‬طغت‭ ‬البربرية‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬واستقلال‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬القديمة‮»‬‭. ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬سابقًا،‭ ‬كان‭ ‬هدف‭ ‬الناتو‭ ‬الواضح‭ ‬هو‭ ‬‮«‬ردع‭ ‬العدوان‭ ‬السوفيتي‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬إنشاء‭ ‬الناتو‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬هدف‭ ‬آخر،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬ذكره‭ ‬مطلقًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قادة‭ ‬الناتو‭ ‬أو‭ ‬خبراء‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬والمعلقين‭.‬ كان‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬ترسيخ‭ ‬مكانة‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬الرأسمالي‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬بعام،‭ ‬تم‭ ‬تقديم‭ ‬خطة‭ ‬مارشال،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الغرض‭ ‬منها‭ ‬منع‭ ‬انتشار‭ ‬الشيوعية‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية،‭ ‬وتحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الدولي،‭ ‬وتوفير‭ ‬أسواق‭ ‬للسلع‭ ‬الأمريكية‭.‬ من‭ ‬خلال‭ ‬دمج‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬في‭ ‬حف‭ ‬الناتو،‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تسعى‭ ‬لحماية‭ ‬استثماراتها‭ ‬في‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الأوروبية‭. ‬بعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬كان‭ ‬يُنظر‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬حصن‭ ‬ضد‭ ‬التغيير‭ ‬السياسي‭ ‬الراديكالي‭ ‬داخل‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬المختلفة‭. ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬طريقة‭ ‬لضمان‭ ‬أن‭ ‬مستقبلهم‭ ‬مرتبط‭ ‬بالنظام‭ ‬العالمي‭ ‬الرأسمالي‭.‬ بدأ‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬التوسع‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬إنشائه‭. ‬انضمت‭ ‬دولتان‭ ‬تميلان‭ ‬إلى‭ ‬الاستبداد‭ ‬ولكنهما‭ ‬مؤسسات‭ ‬سياسية‭ ‬معادية‭ ‬للشيوعية،‭ ‬وهما‭ ‬اليونان‭ ‬وتركيا،‭ ‬إلى‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1952‭. ‬بالطبع،‭ ‬شعر‭ ‬كلا‭ ‬البلدين‭ ‬بالفعل‭ ‬بوجود‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬شؤونهما‭ ‬السياسية‭ ‬الداخلية‭ ‬قبل‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬قبولهما‭ ‬رسميًا‭ ‬في‭ ‬التحالف‭ ‬عبر‭ ‬الأطلسي‭. ‬ عندما‭ ‬أبلغ‭ ‬البريطانيون‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬فبراير‭ ‬1947،‭ ‬أن‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬‮«‬‭... ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قادرة،‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى،‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬القسط‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬عبء‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬الأموال‭ ‬والمساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬عليها‭ ‬اليونان‭ ‬وتركيا‭ ‬إذا‭ ‬كانا‭ ‬يريدان‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬أراضيهما‭ ‬واستقلالهما‭ ‬السياسي‭ ‬‮»‬‭ ‬–‭ ‬وهو‭ ‬الخبر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬يقفزون‭ ‬بحماس،‭ ‬ظهر‭ ‬ترومان‭ ‬أمام‭ ‬جلسة‭ ‬مشتركة‭ ‬للكونغرس‭ ‬بعد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬لطلب‭ ‬400‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬الحكومتين‭ ‬اليونانية‭ ‬والتركية‭.‬ في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬كانت‭ ‬اليونان‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ (‬1946-1949‭) ‬وكان‭ ‬الشيوعيون‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬إعلان‭ ‬حكومة‭ ‬مؤقتة‭ ‬في‭ ‬الجبال‭ ‬الشمالية‭. ‬ستلعب‭ ‬الظروف‭ ‬المحلية‭ ‬والجغرافيا‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬دورًا‭ ‬في‭ ‬هزيمة‭ ‬الشيوعيين،‭ ‬لكن‭ ‬المساعدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬للجيش‭ ‬اليوناني‭ ‬كانت‭ ‬مفيدة‭ ‬في‭ ‬سحق‭ ‬التمرد‭ ‬الشيوعي‭ ‬الثاني‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الدعم‭ ‬البريطاني‭ ‬للحكومة‭ ‬اليونانية‭ ‬لهزيمة‭ ‬الشيوعيين‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ (‬ديسمبر‭ ‬1944‭ - ‬يناير‭ ‬1945‭).‬ أعلن‭ ‬هاري‭ ‬س‭. ‬ترومان‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬مارس‭ ‬1947‭: ‬‮«‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬سياسة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لدعم‭ ‬الشعوب‭ ‬الحرة‭ ‬التي‭ ‬تقاوم‭ ‬محاولات‭ ‬القهر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأقليات‭ ‬المسلحة‭ ‬أو‭ ‬الضغوط‭ ‬الخارجية‮»‬‭. ‬القوات‭ ‬التي‭ ‬تقاتل‭ ‬ضد‭ ‬الشيوعية‭. ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬فرق‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬القوات‭ ‬فاشية،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬اليونان‭.‬ وقد‭ ‬انحازت‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬المتعاونين‭ ‬النازيين‭ ‬والعناصر‭ ‬الأكثر‭ ‬رجعية‭ ‬داخل‭ ‬اليونان‭ ‬في‭ ‬محاولتها‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬حرمان‭ ‬الجماعات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬حاربت‭ ‬دول‭ ‬المحور‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬المستقبلي‭ ‬للبلاد‭.‬ في‭ ‬حالة‭ ‬تركيا،‭ ‬كانت‭ ‬نظرية‭ ‬ترومان‭ ‬بمثابة‭ ‬أداة‭ ‬تأثير‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬التركية‭ ‬وربطها‭ ‬بالدول‭ ‬الغربية‭. ‬فقط‭ ‬قلة‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬داخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كانوا‭ ‬قلقين‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬تركيا‭ ‬كانت‭ ‬تحكمها‭ ‬أنظمة‭ ‬عسكرية‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والحرية‭ ‬وأنها‭ ‬وقعت‭ ‬بالفعل‭ ‬معاهدة‭ ‬صداقة‭ ‬مع‭ ‬هتلر‭ ‬في‭ ‬صيف‭ ‬عام‭ ‬1941‭.‬ على‭ ‬عكس‭ ‬سويسرا،‭ ‬التي‭ ‬نشأ‭ ‬حيادها‭ ‬تجاه‭ ‬الدول‭ ‬المتحاربة‭ ‬مع‭ ‬مؤتمر‭ ‬فيينا‭ ‬عام‭ ‬1815‭ ‬وأكدته‭ ‬عصبة‭ ‬الأمم‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1920،‭ ‬ظلت‭ ‬تركيا‭ ‬محايدة‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬لأسباب‭ ‬عملية‭ ‬بحتة‭. ‬لم‭ ‬تقطع‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬ألمانيا‭ ‬النازية‭ ‬حتى‭ ‬أوائل‭ ‬أغسطس‭ ‬1944،‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬تمامًا‭ ‬بحلول‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬أن‭ ‬ألمانيا‭ ‬كانت‭ ‬ستخسر‭ ‬الحرب‭ ‬وأن‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬كان‭ ‬قوة‭ ‬صاعدة‭. ‬وعندما‭ ‬أعلنت‭ ‬الحرب‭ ‬أخيرًا‭ ‬على‭ ‬ألمانيا‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬فبراير‭ ‬1945،‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬وفي‭ ‬مقابل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مقعد‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬المستقبلية‭.‬ في‭ ‬مؤتمر‭ ‬يالطا،‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬إلى‭ ‬11‭ ‬فبراير‭ ‬1945،‭ ‬أصدر‭ ‬روزفلت‭ ‬وتشرشل‭ ‬وستالين‭ ‬دعوة‭ ‬لعقد‭ ‬مؤتمر‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬سان‭ ‬فرانسيسكو‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬أبريل‭. ‬فقط‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬ألمانيا‭ ‬واليابان‭ ‬قبل‭ ‬مارس‭ ‬1945‭ ‬ستتم‭ ‬دعوتها‭ ‬إلى‭ ‬مؤتمر‭ ‬سان‭ ‬فرانسيسكو‭.‬ غيرت‭ ‬عقيدة‭ ‬ترومان‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وخلقت‭ ‬نظامًا‭ ‬عالميًا‭ ‬جديدًا‭. ‬لقد‭ ‬أطلقت‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وجعلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬شرطي‭ ‬العالم‭. ‬كانت‭ ‬أوروبا،‭ ‬بالطبع،‭ ‬المنطقة‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬جغرافياً‭ ‬بالنسبة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬تم‭ ‬تأسيس‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭.‬ كان‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬الأول‭ ‬للتحالف،‭ ‬بارون‭ ‬هاستينغز‭ ‬إسماي،‭ ‬على‭ ‬صواب‭ ‬عندما‭ ‬وصف‭ ‬هدفه‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭: ‬‮«‬إبقاء‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬والأمريكيون‭ ‬في‭ ‬الداخل،‭ ‬والألمان‭ ‬في‭ ‬الأسفل‮»‬‭.‬ استغرق‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬لإنشاء‭ ‬منظمة‭ ‬منافسة،‭ ‬ولم‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬فشل‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬إبقاء‭ ‬الألمان‭ ‬محبطين‭. ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬تم‭ ‬إنشاء‭ ‬حلف‭ ‬وارسو‭ ‬ردًا‭ ‬على‭ ‬اندماج‭ ‬ألمانيا‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1955‭.‬ في‭ ‬أوائل‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬نظرت‭ ‬الحكومة‭ ‬السوفيتية‭ ‬في‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الناتو،‭ ‬لكن‭ ‬الفكرة‭ ‬قوبلت‭ ‬بالصمت‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬ورُفضت‭ ‬لاحقًا‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬العضوية‭ ‬السوفيتية‭ ‬لا‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬تعزيز‭ ‬الناتو‭ ‬للقيم‭ ‬الديمقراطية‭.‬ في‭ ‬الواقع،‭ ‬بدا‭ ‬أن‭ ‬السوفييت‭ ‬كانوا‭ ‬مخلصين‭ ‬تمامًا‭ ‬عندما‭ ‬أعربوا‭ ‬عن‭ ‬اهتمامهم‭ ‬بإنشاء‭ ‬هياكل‭ ‬أمنية‭ ‬لعموم‭ ‬أوروبا‭. ‬لقد‭ ‬كانوا‭ ‬قلقين‭ ‬للغاية‭ ‬بشأن‭ ‬احتمالية‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬ثالثة،‭ ‬والتي،‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرهم،‭ ‬كانت‭ ‬ستعني‭ ‬نهاية‭ ‬الحضارة‭ ‬الإنسانية‭ ‬بسبب‭ ‬وجود‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬للغرب‭ ‬أي‭ ‬مصلحة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬معاهدة‭ ‬أمنية‭ ‬أوروبية‭ ‬تضم‭ ‬السوفييت‭.‬ من‭ ‬منظور‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬وحلفائه‭ ‬الشرقيين،‭ ‬أصبح‭ ‬الناتو‭ ‬تهديدًا‭ ‬أمنيًا‭ ‬عندما‭ ‬سُمح‭ ‬لألمانيا‭ ‬الغربية‭ ‬بالانضمام‭ ‬إلى‭ ‬التحالف‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬تقوده‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬كانت‭ ‬آخر‭ ‬دولة‭ ‬انضمت‭ ‬إلى‭ ‬الناتو‭ ‬قبل‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬هي‭ ‬إسبانيا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1982‭. ‬وقد‭ ‬تطور‭ ‬هيكل‭ ‬الناتو‭ ‬طوال‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وكذلك‭ ‬تطور‭ ‬منهجه‭ ‬تجاه‭ ‬الدفاع‭ ‬والردع،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬ظلت‭ ‬عنصرًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجماعي‭ ‬للحلف‭..‬ شهد‭ ‬سقوط‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1989‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬ولعب‭ ‬الزعيم‭ ‬السوفيتي‭ ‬ميخائيل‭ ‬جورباتشوف‭ ‬دورًا‭ ‬محوريًا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬وتوحيد‭ ‬ألمانيا‭ ‬لاحقًا،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬التحول‭ ‬السياسي‭. ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬وحل‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬عيد‭ ‬الميلاد‭ ‬عام‭ ‬1991‭.‬ ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬لم‭ ‬تؤد‭ ‬إلى‭ ‬اختفاء‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭. ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬مارغريت‭ ‬تاتشر،‭ ‬التي‭ ‬عارضت‭ ‬بشدة‭ ‬إعادة‭ ‬توحيد‭ ‬ألمانيا‭ ‬بعد‭ ‬تفكيك‭ ‬جدار‭ ‬برلين،‭ ‬تحدثت‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬جميع‭ ‬أطراف‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬عندما‭ ‬تناولت‭ ‬مسألة‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬الناتو‭ ‬أن‭ ‬يختفي‭ ‬الآن‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬أنت‭ ‬لا‭ ‬تلغي‭ ‬بوليصة‭ ‬التأمين‭ ‬على‭ ‬منزلك‭ ‬لمجرد‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬عدد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬السطو‭ ‬في‭ ‬شارعك‭ ‬خلال‭ ‬الاثني‭ ‬عشر‭ ‬شهرًا‭ ‬الماضية‮»‬‭.‬ لكن‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬التوسع؟‭ ‬لم‭ ‬يتحدث‭ ‬أحد‭ ‬بصراحة‭ ‬عن‭ ‬توسع‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬شرقًا‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬تفكيك‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬مباشرة‭. ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬أثناء‭ ‬المناقشات‭ ‬حول‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬توحيد‭ ‬ألمانيا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1990‭ ‬وحتى‭ ‬عام‭ ‬1991،‭ ‬أعطى‭ ‬القادة‭ ‬الغربيون‭ ‬تأكيدات‭ ‬بأن‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬لن‭ ‬يتوسع‭ ‬‮«‬شبرًا‭ ‬واحدًا‭ ‬باتجاه‭ ‬الشرق‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬ميخائيل‭ ‬جورباتشوف،‭ ‬آخر‭ ‬رئيس‭ ‬سوفييتي‭.‬ في‭ ‬مناسبات‭ ‬مختلفة‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية،‭ ‬قدم‭ ‬الرئيس‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬وعشرات‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬الغربيين‭ ‬الآخرين‭ (‬كول‭ ‬وميتران‭ ‬وتاتشر‭ ‬ومايجور‭ ‬وغيرهم‭) ‬تأكيدات‭ ‬للسوفييت‭ ‬حول‭ ‬‮«‬حماية‭ ‬المصالح‭ ‬الأمنية‭ ‬السوفيتية‭ ‬وإدراج‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬في‭ ‬أنظمة‭ ‬الأمن‭ ‬الأوروبية‭ ‬المستقبلية‮»‬‭. ‬كانت‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬دول‭ ‬البلطيق،‭ ‬بالطبع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حريصة‭ ‬على‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لأغراض‭ ‬أمنية،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬كطريق‭ ‬أسرع‭ ‬لعضوية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭.‬ قام‭ ‬الناتو‭ ‬بأول‭ ‬توسع‭ ‬له‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1999‭ ‬عندما‭ ‬أصبحت‭ ‬جمهورية‭ ‬التشيك‭ ‬والمجر‭ ‬وبولندا‭ ‬أعضاء‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الكرملين،‭ ‬حتى‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬ببولندا‭. ‬أولاً‭ ‬لأن‭ ‬روسيا‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬فوضى‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬وثانيًا،‭ ‬لأن‭ ‬جميع‭ ‬المجموعات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬بولندا‭ ‬كانت‭ ‬تدعم‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭.‬ لكن‭ ‬المعارضة‭ ‬الروسية‭ ‬لتوسيع‭ ‬الناتو‭ ‬كانت‭ ‬بالفعل‭ ‬على‭ ‬المحك‭. ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬في‭ ‬خريف‭ ‬عام‭ ‬1996،‭ ‬تبنى‭ ‬مجلس‭ ‬الدوما‭ ‬الروسي‭ ‬بالإجماع‭ ‬قرارًا‭ ‬يدين‭ ‬توسع‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬ويحذر‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬أزمة‭.‬ مر‭ ‬الناتو‭ ‬بعدة‭ ‬مراحل‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬التوسيع‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬2004،‭ ‬أصبحت‭ ‬سبع‭ ‬دول‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬التحالف‭ ‬وهي‭ ‬بلغاريا‭ ‬ورومانيا‭ ‬وسلوفينيا‭ ‬وسلوفاكيا‭ ‬وإستونيا‭ ‬ولاتفيا‭ ‬وليتوانيا‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬2009،‭ ‬انضمت‭ ‬ألبانيا‭ ‬وكرواتيا‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬آخر‭ ‬الأعضاء‭ ‬الذين‭ ‬انضموا‭ ‬إلى‭ ‬الحلف‭ ‬كانت‭ ‬جمهورية‭ ‬الجبل‭ ‬الأسود‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬وجمهورية‭ ‬مقدونيا‭ ‬الشمالية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020‭.‬ في‭ ‬قمة‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬بوخارست‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬2008،‭ ‬دفعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خطة‭ ‬عمل‭ ‬عضوية‭ ‬فورية‭ ‬تشمل‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬لجورجيا‭ ‬وأوكرانيا،‭ ‬لكن‭ ‬ألمانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬ودول‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬الأصغر‭ ‬رفضت‭ ‬الفكرة‭.‬ اعتبر‭ ‬زعماء‭ ‬أوروبيون‭ ‬بارزون‭ ‬حالة‭ ‬جورجيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬مثيرة‭ ‬للجدل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬لأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يعلمون‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تثير‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬عدائي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬روسيا‭. ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مناسبات‭ ‬حذر‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬قادة‭ ‬الناتو‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬عرض‭ ‬عضوية‭ ‬الناتو‭ ‬على‭ ‬جورجيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬يمثل‭ ‬‮«‬خطوطًا‭ ‬حمراء‮»‬‭ ‬بالنسبة‭ ‬لروسيا‭.‬ ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إرضاء‭ ‬واشنطن،‭ ‬قدم‭ ‬القادة‭ ‬الأوروبيون‭ ‬تعهدًا‭ ‬غامضًا‭ ‬بدعوة‭ ‬جورجيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬ وقال‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو‭ ‬ياب‭ ‬دي‭ ‬هوب‭ ‬شيفر‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفي‭ ‬خلال‭ ‬قمة‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬في‭ ‬بوخارست‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فشل‭ ‬القادة‭ ‬في‭ ‬ضم‭ ‬جورجيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬إلى‭ ‬خطة‭ ‬عمل‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬‮«‬اتفقنا‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬عضوة‭ ‬في‭ ‬الناتو‮»‬‭.‬ في‭ ‬8‭ ‬أغسطس‭ ‬2008،‭ ‬أعطى‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬لغزو‭ ‬جورجيا‭. ‬انتهى‭ ‬النزاع‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬أيام،‭ ‬لكن‭ ‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‭ ‬قالت‭ ‬إن‭ ‬القوات‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬‮«‬ارتكبت‭ ‬انتهاكات‭ ‬عديدة‭ ‬لقوانين‭ ‬الحرب‮»‬‭ ‬أثناء‭ ‬النزاع‭.‬ نشب‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬أوسيتيا‭ ‬الجنوبية‭. ‬ارتكب‭ ‬الرئيس‭ ‬الجورجي‭ ‬ميخائيل‭ ‬ساكاشفيلي‭ ‬الخطأ‭ ‬المأساوي‭ ‬عندما‭ ‬أمر‭ ‬بشن‭ ‬هجوم‭ ‬عسكري‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬الانفصالية‭ ‬الموالية‭ ‬لروسيا،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لجورجيا‭ ‬كان‭ ‬أيضًا‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬للابتعاد‭ ‬عن‭ ‬حدوده‭.‬ رغم‭ ‬أن‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ينتهك‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يتجاهل‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬القادة‭ ‬الروس‭ ‬كانوا‭ ‬يحذرون‭ ‬الغرب‭ ‬لعقود‭ ‬من‭ ‬توسع‭ ‬الناتو‭ ‬باتجاه‭ ‬الشرق‭. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬بصدق‭ ‬إن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬تستفز‭ ‬الدب‭ ‬الروسي‭ ‬عن‭ ‬عمد‭ ‬طوال‭ ‬حقبة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬جون‭ ‬ميرشايمر‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالغزو‭ ‬الحالي‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬حيث‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والغرب‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬بوخارست‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬2008‭.‬ ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬أيًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬يهم‭ ‬قادة‭ ‬الناتو‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فهم‭ ‬مصممون‭ ‬على‭ ‬مضاعفة‭ ‬الاستفزاز‭ ‬والعدوان‭. ‬في‭ ‬قمة‭ ‬مدريد،‭ ‬اتخذ‭ ‬قادة‭ ‬الناتو‭ ‬قرارات‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬العالمي،‭ ‬بل‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭. ‬كذلك،‭ ‬وصف‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬روسيا‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬تهديد‭ ‬مباشر‮»‬‭ ‬لسلام‭ ‬وأمن‭ ‬أعضائه‭. ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬ان‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬لديها‭ ‬خطط‭ ‬لمهاجمة‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية‭.‬ إن‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬تشكل‭ ‬تهديدًا‭ ‬عسكريًا‭ ‬للغرب‭ ‬هي‭ ‬فكرة‭ ‬سخيفة‭ ‬مثل‭ ‬قول‭ ‬مارجوري‭ ‬تايلور‭ ‬جرين‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬يجب‭ ‬تدريب‭ ‬الأطفال‭ ‬على‭ ‬الأسلحة‭ ‬النارية‮»‬‭. ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬يشكل‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬تهديدًا‭ ‬مباشرًا‭ ‬لأمن‭ ‬روسيا‭.‬ مع‭ ‬اعتماد‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الجديد،‭ ‬ستوسع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬وجودها‭ ‬العسكري‭ (‬مع‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬والطائرات‭ ‬الحربية‭ ‬والسفن‭) ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الأوروبية‭. ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو،‭ ‬تم‭ ‬حل‭ ‬المعضلة‭ ‬الوجودية‭ ‬لأوروبا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تابعًا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أم‭ ‬لا‭. ‬بانضمام‭ ‬فنلندا‭ ‬والسويد،‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬قد‭ ‬اكتمل‭. ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تصبح‭ ‬بعد‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الناتو‭ ‬هي‭ ‬النمسا‭ ‬وقبرص‭ ‬وأيرلندا‭ ‬ومالطا‭.‬ ولأغراض‭ ‬دفاعية‭ ‬واضحة،‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬سيزيد‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬القوات‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الشرقي‭ ‬الأقرب‭ ‬لروسيا،‭ ‬وسوف‭ ‬يرتفع‭ ‬عدد‭ ‬القوات‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تأهب‭ ‬قصوى‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬300‭ ‬ألف،‭ ‬مقارنة‭ ‬بـ‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭ ‬يشكلون‭ ‬قوة‭ ‬الرد‭ ‬السريع‭ ‬الحالية‭ ‬للتحالف‭..‬ يجب‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬خطأ‭ ‬في‭ ‬ذلك‭. ‬يرقى‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الجديد‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬وإحياء‭ ‬رؤية‭ ‬قديمة‭ ‬لحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تعدو‭ ‬أن‭ ‬تضمن‭ ‬شروط‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬العالم‭. ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬تمت‭ ‬دعوة‭ ‬شركاء‭ ‬الناتو‭ ‬الإقليميين‭ -‬أستراليا‭ ‬واليابان‭ ‬ونيوزيلندا‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭- ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬الناتو‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭.‬ برزت‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ‭ ‬كواحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المناطق‭ ‬ديناميكية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وهي‭ ‬موطن‭ ‬للصين‭. ‬يفرض‭ ‬السعي‭ ‬وراء‭ ‬الهيمنة‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬العسكرية‭ ‬المتمركزة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬اتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬للتصدي‭ ‬للتهديدات‭ ‬والتحديات‭ ‬الحالية‭ ‬والجديدة‭ ‬والمستقبلية‭.‬ وبناءً‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬أعلن‭ ‬قادة‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تمثل‭ ‬تحديًا‭ ‬أمنيًا‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭. ‬لقد‭ ‬تجنبوا‭ ‬وصفها‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬عدو‮»‬‭ ‬لأسباب‭ ‬مختلفة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬علاقة‭ ‬عدائية‭ ‬تمامًا‭. ‬أولاً،‭ ‬ترتبط‭ ‬اقتصادات‭ ‬الصين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ارتباطًا‭ ‬وثيقًا‭. ‬يعد‭ ‬استبعاد‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬التوريد‭ ‬العالمية‭ ‬والصناعات‭ ‬الرئيسية‭ ‬مهمة‭ ‬شبه‭ ‬مستحيلة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الحالية‭. ‬الصين‭ ‬هي‭ ‬أيضًا‭ ‬الشريك‭ ‬التجاري‭ ‬الأكبر‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬لذلك،‭ ‬لا‭ ‬أوروبا‭ ‬ولا‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لديهما‭ ‬رغبة‭ ‬قوية‭ ‬في‭ ‬معاملة‭ ‬الصين‭ ‬كخصم‭. ‬ ثانيًا،‭ ‬بينما‭ ‬يمكن‭ ‬احتواء‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العسكري،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للغرب‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬الصين‭. ‬وحدها‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية‭ ‬المباشرة‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬قد‭ ‬توقف‭ ‬نمو‭ ‬هيمنتها‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬لكن‭ ‬الصين‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬اهتمام‭ ‬الناتو،‭ ‬وبينما‭ ‬ستسعى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬جسر‭ ‬بين‭ ‬التحالفات‭ ‬الأوروبية‭ - ‬الأطلسية‭ ‬وبين‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬سوف‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬منظور‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمنطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ‭. ‬ في‭ ‬الواقع،‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬للمرء‭ ‬أن‭ ‬يتوقع‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬للمغامرات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬الخارج‭. ‬أظهر‭ ‬استطلاع‭ ‬حديث‭ ‬أصدره‭ ‬المجلس‭ ‬الأوروبي‭ ‬للشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬المائة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬دعم‭ ‬المواطنون‭ ‬الأوروبيون‭ ‬التدخل‭ ‬الغربي‭ ‬والعقوبات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬‮«‬الآن‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬البلدان،‭ ‬باستثناء‭ ‬بولندا‮»‬‭ ‬‮«‬يكشف‭ ‬الاستطلاع‭ ‬عن‭ ‬فجوة‭ ‬متنامية‭ ‬بين‭ ‬المواقف‭ ‬المعلنة‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬الأوروبية‭ ‬والمزاج‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‮»‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬فقط‭ ‬في‭ ‬بولندا‭ ‬وألمانيا‭ ‬والسويد‭ ‬وفنلندا‭ ‬يوجد‭ ‬دعم‭ ‬شعبي‭ ‬كبير‭ ‬لزيادة‭ ‬الإنفاق‭ ‬العسكري‮»‬‭.‬ يأتي‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الجديد‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬منعطف‭ ‬حاسم‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬لما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬حيث‭ ‬يسود‭ ‬انعدام‭ ‬الأمن‭ ‬والجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬المهيمنة‭ ‬هي‭ ‬القوى‭ ‬النووية‭ ‬العظمى‭. ‬إنها‭ ‬بالفعل‭ ‬مبادرة‭ ‬متهورة‭ ‬وخطيرة‭ ‬للغاية‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬عداء‭ ‬أكبر‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والغرب،‭ ‬وإلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين،‭ ‬ومن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تعزز‭ ‬المحور‭ ‬الروسي‭ ‬الصيني‭ ‬الشمولي‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيغذي‭ ‬كل‭ ‬العوامل‭ ‬اللازمة‭ ‬لاندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الشاملة‭.‬ انتقدت‭ ‬بكين‭ ‬بالفعل‭ ‬الناتو‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بمفهومه‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الجديد‭ ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ‭ ‬دعم‭ ‬الصين‭ ‬لروسيا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمسألة‭ ‬‮«‬السيادة‭ ‬والأمن‮»‬‭. ‬من‭ ‬جانبه‭ ‬حذر‭ ‬بوتين‭ ‬فنلندا‭ ‬والسويد‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬ستكون‭ ‬هناك‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬متماثلة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬‮«‬انتشار‭ ‬الوحدات‭ ‬العسكرية‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬العسكرية‭ ‬هناك‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬ستشمل‭ ‬نشر‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬بحر‭ ‬البلطيق‭.‬ من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬المستقبل‭ ‬الكئيب‭ ‬ينتظرنا‭. ‬اتخذ‭ ‬الناتو‭ ‬قرارات‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬مدريد‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬عالمية‭. ‬وبهذا‭ ‬المعنى،‭ ‬يواصل‭ ‬الناتو‭ ‬اتباع‭ ‬نفس‭ ‬مسار‭ ‬تصعيد‭ ‬الصراع،‭ ‬باستثناء‭ ‬أن‭ ‬سياسته‭ ‬التوسعية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬لها‭ ‬تعمل‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬احتمال‭ ‬إشعال‭ ‬فتيل‭ ‬أرمجدون‭. ‬   {‭ ‬عالم‭ ‬اقتصاد‭ ‬وسياسة‭ ‬درس‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬الجامعات‭ ‬الأوروبية‭ ‬والأمريكية‭ ‬كما‭ ‬صدرت‭ ‬له‭ ‬عديد‭ ‬المؤلفات‭ ‬والكتب‭. ‬ كومونز

مشاركة :