بشكل عام، تزخر الأحداث العالمية بالكثير من التحليلات وأشكال اتخاذ القرار وخرائط العمليات السياسية، وكل ذلك يندرج في معادلة التغيير، فبعد توقيع أوكرانيا وروسيا في إسطنبول، حول اتفاقين منفصلين مع تركيا والأمم المتحدة بشأن تصدير الحبوب والمنتجات الزراعية عبر البحر الأسود، وسيسمح الاتفاق بتصدير ملايين الأطنان من الحبوب العالقة في أوكرانيا بسبب الحرب، وذلك يترجم الضرورة الاقتصادية لأن الحرب تمر بحالات مدٍّ وجزرٍ، وتعتبر بادرة إيجابية يمكن البناء عليها لإحداث تقدم دبلوماسي أشعر الدول المستوردة بارتياح خصوصاً أن أسعار القمح تراجعت فور الإعلان عن الاتفاق. وتسمح الاتفاقية لكييف باستئناف شحنها للحبوب من البحر الأسود إلى أسواق العالم، حيث وقع عليها وزيران من البلدين بشكل منفصل، وإعداد اتفاقات تكاد أن تكون جزءاً لا غنى عنه من جهود التغيير الصغيرة في المواقف الكبيرة المتعنتة بين البلدين، وقد تؤثر في المشكلات الأساسية لتعزيز الأفكار داخل كل مرحلة من مراحل العالم المضطرب وتحفيز الاستقرار عوضاً عن الفوضى، وقيل في الصنداي تايمز إن «رؤية الغربيين للحرب ليست محايدة وإنما هي مدفوعة بأمانيّ إيقاف بوتين وما يمثّله من خطر داهم.» وبينما تجري هذه الأحداث، فالاتفاق يشكل بارقة أمل للخروج من الأزمة العالمية الخطيرة التي خلفتها حرب أوكرانيا، وستحقق نجاحاً قد يفتح مجالاً لمفاوضات السلام فليس هناك انتصارٌ عسكريٌّ دون خسائر لكلا الفرقتين المتحاربتين، عبر أجواء تمتلئ بالسياسات والشعور والاضطهاد والتواصل الحذر، فكل مشكلة لها حالة متطرفة تستوجب رؤية استراتيجية وخطة تنفيذ. مع الأشياء المادية التي يراها العالم كل يوم، تتضمن التصورات الواضحة لسلبيات هذه الحرب على سكان العالم وما يهدده من تداعيات اقتصادية وسياسية، وانقسامات مؤثرة على الساحة الدولية فالتغيير الغاضب والتفاخر الزائف والتشاؤم من تبعات الحرب لن توقف الاضطراب أبداً، فحين نتحدث بشأن حرب واتفاق يتبادر للأذهان للوهلة الأولى هدنة أو توقف لا يحتاج إلى تفسير، إنما هي قد تكون انفراجة، ولكن الانفجارات هزت مدينة أوديسا الساحلية غربي أوكرانيا، بعد يوم واحد فقط من توصل كييف وموسكو إلى اتفاق تاريخي من شأنه السماح باستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود. هناك الكثير من التشويش والضوضاء حول السلام بين القوى المتحاربة، فكل الأمور التي يتطلع لها العالم ويقلق بشأنها لم تنته فمعظم هذا التشويش يصعب الارتقاء به إلى مستوى التوقعات، فقد اتهمت الولايات المتحدة روسيا بخرق شروط اتفاقية استئناف صادرات الحبوب بشن هجوم صاروخي على ميناء أوديسا الأوكراني، بعد اعتراف روسي بتدمير البنية التحتية للميناء. فهل تعتبر هذه الحرب أسوأ السيناريوهات على نطاق لم تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية؟، بعد اتفاق لتصدير الحبوب إلى العالم -الاتفاق الذي أبرمه الوزراء – وتعرض بعدها بيوم واحد الميناء لضربات لاشك بأنه أمر يثير القلق فعلاً، وعلى إثره كشف وزير الدفاع التركي، أن المسؤولين الروس أبلغوا أنقرة بأن موسكو لا علاقة لها بالضربات التي تعرض لها ميناء أوديسا الأوكراني، السؤال الذي يطرح نفسه من له مصلحة في تعطيل هذا الاتفاق؟. هناك ثلاثة أسباب تقف في العادة وراء صعوبة التوفيق بين الأعمال والأقوال، أهمها جهود التغيير من حالة حرب إلى سلام ولو مؤقت، وتجنب تكرار الخطأ نفسه مرتين، وعدم الإحساس بالضرورة والالتزام، ولكن هناك من يركز على توجيه هذه الضوضاء إلى الساحة لتستمر في إشعال فتيل الحرب، وتمضي قدماً نحو التركيز على تحقيق الاستفادة القصوى من كل موقف تمر به هذه الدول، وهو أمر لن يستطيع التغلب عليه إلا بمعالجة العوائق التي تعمل عليها وتقوض نتائجها.
مشاركة :