عكس قرار الجزائر استئناف المبادلات التجارية مع إسبانيا عمق الأزمة التي يعيشها النظام الجزائري؛ فقد اتخذ سابقا قرار وقف المبادلات دون وجود أزمة بينه وبين إسبانيا، وها هو الآن يقرر “رفع الحظر” دون أي مفاوضات أو اتفاق ثنائي أدى إلى هذا القرار مثلما يحصل عادة بين أي دولتين في حالة أزمة. ومن الواضح أن النظام الجزائري باتخاذه قرار وقف المعاملات التجارية كان يهدف إلى خطف الأضواء والظهور بمظهر السلطة القوية المتماسكة، في رسالة إلى الداخل حيث يحتد صراع الأجنحة وترتفع المطالب الاجتماعية بسبب أزمة الأسعار وعدم استفادة الجزائريين من عائدات الغاز والبترول. والآن حين وجد إهمالا تاما من إسبانيا وحين اكتشف أن القرار يعود على الجزائر بمخاطر متعددة قرر أن يسترضي نفسه بدل أن تسترضيه مدريد كما كان يسعى إلى ذلك. وقال مراقبون جزائريون إن العدول عن القرارات دون وجود مبررات واقعية يظهر أن النظام يتعامل مع مصالح الجزائر وعلاقاتها الخارجية بالمزاج، في حين أن الدول لا تدار بالأمزجة ولا بالمغامرة، لافتين إلى أن النظام غامر بمصالح الجزائر وعرّضها إلى خسارة المليارات بينما هي في أمس الحاجة إلى عائدات إضافية من الغاز والنفط والمعاملات التجارية الخارجية. تراجع النظام الجزائري عن قراره يعود إلى إهمال إسبانيا له؛ إذ لم تبحث عن حوار مباشر ولم ترسل وسطاء لتطويق الأزمة وعزا المراقبون تراجع النظام عن قراره تراجعا غير مبرر إلى إهمال إسبانيا له؛ إذ لم تبحث عن حوار مباشر ولم ترسل وسطاء لتطويق الأزمة، خاصة أنها تقول إن الأزمة مفتعلة ولا مبرر لها، وإنها لم تقصّر في التزاماتها التجارية مع الجزائر، وهي الوضعية الوحيدة التي تبيح للجزائر اتخاذ خطوات تصعيدية. وترك الإهمال الإسباني الجزائر في ورطة؛ فإن تراجعت سيبدو الموضوع سوء تقدير مبنيّا على انفعالات ويعرّض موقف الجزائر للسخرية في الداخل والخارج، وإن استمرت في المكابرة ستصل إلى طريق مسدود خاصة بعد أن تدخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما حصل الآن، حيث اضطرت إلى التراجع دون وجود أي مبرر يحفظ لقادتها ماء الوجه. ورفعت الجزائر الحظر عن التجارة مع إسبانيا المعلن عنه مطلع شهر يونيو الماضي، في خطوة وصفت بـ”المفاجئة”. ووجهت جمعية مهنيي البنوك والمصارف الحكومية برقية إلى المؤسسات المالية العاملة، تقضي بوقف قرار تجميد المبادلات التجارية مع إسبانيا، المتخذ منذ التاسع من شهر يونيو الماضي، الأمر الذي يعيد النشاط إلى خط الجزائر – مدريد بعد أسابيع من الشلل. وظهرت جمعية البنوك والمصارف المهنية إلى الواجهة منذ اندلاع الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وإسبانيا، حيث صدرت عنها عدة قرارات في هذا الشأن بينما التزمت الحكومة الصمت، مما خلف حالة من الارتباك حول كيفية إدارة الشأن الاقتصادي والتجاري في البلاد، وربطه بالتجاذبات الدبلوماسية. ويبدو أن الجمعية التي وظفت كواجهة للقرار السياسي قد دخلت في حالة من الارتباك؛ ففيما أعلنت عبر برقية سابقة عن وقف توطين التحويلات البنكية إلى إسبانيا، جاءت برقية ثانية منها منذ أيام قليلة تشدد على القرار وتستثني منه العمليات المسجلة بين متعاملي البلدين، قبل التاسع من يونيو الماضي، لتفاجئ المتابعين ببرقية جديدة تعلن عن رفع الحظر تماما. Thumbnail ويبدو أن قرار الحظر التجاري غير المصرح به من طرف الحكومة الجزائرية قد شابه مد وجزر داخل دوائر صناعة القرار الدبلوماسي والاقتصادي في هرم السلطة، فانعكس الارتباك على قرارات الجمعية المصرفية، بين الحظر وبين الاستثناء ثم رفع الحظر تماما في ظرف أسابيع قليلة. وكان متعاملون جزائريون وإسبان قد عبروا عن امتعاضهم من القرار الجزائري، نتيجة ما وصفوه بالقرار “المتهور”، الذي ألحق أضرارا بنشاط واتفاقيات الطرفين، خاصة وأن إسبانيا تعد من الممونين للجزائر بمختلف السلع والبضائع. وأعلنت الحكومة الإسبانية خلال هذا الأسبوع عن تطبيق حزمة من الإجراءات الجبائية تجاه المواد الموجهة إلى الجزائر، سواء أكانت ذات منشأ إسباني أم ذات منشأ آخر، مما انعكس في شكل قطيعة مقابلة ظهرت نتائجها في ارتفاع كبير لأسعار البضائع المستوردة عبر الموانئ الإسبانية. 8 مليار دولار قيمة المبادلات التجارية بين الجزائر وإسبانيا، خمسة منها تتعلق بعائدات النفط والغاز ولم يصدر أي تعليق أو توضيح من السلطة الجزائرية حول قرار جمعية البنوك الأخير، غير أن الإيعاز بدا واضحا على الجمعية، مما يؤكد مراجعة السلطة لقرارها الاقتصادي تحت تأثير ضغوط اقتصادية وتجارية وحتى دبلوماسية؛ فإلى جانب تضرر السوق المحلية من الغلاء والندرة لا يُستبعد دور الاتحاد الأوروبي في ممارسة ضغوط على الجزائر لاحترام الاتفاق الثنائي المبرم مع إسبانيا أو ذلك المبرم معه. ومنذ تدخل الاتحاد الأوروبي في الموضوع عمد المسؤولون الجزائريون إلى تهدئة المغالاة في التصريحات واعتبار أن القضية لا تستدعي هبّة جماعية أوروبيّا، مشددين خاصة على أن إمدادات الغاز لا تدخل في إجراءات المقاطعة لمعرفتهم بحساسية الموضوع لدى أوروبا التي تبحث عن بدائل للغاز الروسي ولن تقبل بأيّ شكل من الأشكال أن تمارس دولة أيا كانت أسلوب الابتزاز. وحسب صحيفة “الباييس” الإسبانية صرح لها مصدر دبلوماسي أوروبي عامل في الجزائر بأنه “من الآن فصاعدا سيسمح لنا بتسديد المدفوعات أو تسليم المستندات اللازمة إلى البنوك للتصدير، وباختصار سيسمح هذا للشركات الإسبانية بالتصدير إلى الجزائر”، الأمر الذي يلمّح إلى أن للاتحاد الأوروبي بصمة في تراجع الجزائر عن قرار الحظر التجاري. وكانت نخب سياسية واقتصادية إسبانية وأوروبية قد دعت الجزائر إلى مراجعة قرار وقف المعاملات من جانب واحد، والالتزام باحترام الاتفاقيات المبرمة، ومراعاة المصالح المشتركة بين الطرفين، غير أن الموقف الجزائري اتسم منذ مطلع يونيو الماضي بالتضارب؛ ففيما شددت آنذاك جمعية البنوك على وقف توطين التحويلات البنكية إلى إسبانيا، حاولت التمثيلية الدبلوماسية في بروكسل التملص من القرار وتقديم قراءات مغايرة وقالت “قرار الحظر لا يوجد إلا في أذهان من يزعمون اتخاذه”. وتقدر المبادلات التجارية بين الجزائر وإسبانيا بنحو ثمانية مليارات دولار، خمسة منها تتعلق بعائدات النفط والغاز الموجهين إلى مدريد، بينما الثلاثة المتبقية تتمثل في صادرات إسبانية إلى الجزائر في شكل مواد وبضائع مختلفة، لكن رغم محدوديتها ألحقت أضرارا متبادلة خاصة لدى فئة المصنعين والمستوردين.
مشاركة :