--> جاء الإسلام ليكون للمسلمين منهج حياة؛ فهو دين ينطلق من قواعد وثوابت في نظرته لكافة الجوانب، بالإضافة لارتكازه على قواعد كلية، ومقاصد عامة، ودائرة واسعة من «المباح» مكّنت هذا الدين العظيم من المواءمة بين قواعده وكلياته وتغيرات الأزمنة، وتبدّلات العصور، والمسلم تبعًا لهذا المنهج العظيم في قراءته وتقييمه للحضارات والثقافات والأفكار لا ينفك عن الرؤية الشرعية الواعية المنبثقة من شريعة الإسلام الغرّاء؛ فهي شريعة ترتكز على وحي معصوم، ونظرة شمولية تزاوج بين بصيرة الوحي، وأرقى معايير العدل والإنصاف في التعامل مع الحضارات الأخرى، بالإضافة لفضاء رحب يدفع باتجاه الاستفادة من كافة المنجزات البشرية فيما لا يمس ثابتًا. وهذه الرؤية الشرعية الواعية تكوّن لدى المسلم ما يمكن أن نسميه الهُوِيّة الثقافيّة التي تشكّل حصنًا متينًا تتحطم على أسواره قذائف الشبهات الفكرية التي اتخذت من وسائل الإعلام المتنوعة منصات فكرية تضرب بها ثوابت هذه الأمة وثقافتها، وهذا الحصن المنيع يحتوي في بعض أركانه على قنوات محددة تدلف من خلال كافة الأفكار والمنجزات الإنسانية النافعة. لقد أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- فكرة حفر الخندق وهي فكرة عسكرية فارسية، وأخذ الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- نظام الدواوين والخراج من الحضارتين الرومانية والفارسية، وهذه الشواهد -وغيرها- تؤكد أن الإسلام جاء ليستفيد من المنجز البشري الذي تراكم من الحضارات الأخرى -فيما لا يمس ثوابته وأصوله التي قام عليها-، ولهذا لما قدم معاذ بن جبل -رضي الله عنه- من الشام ولقي النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد له سجود التحية، فقال له النبي: ما هذا يا معاذ؟! قال معاذ: يا رسول الله، أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فلا تفعلوا؛ فإني لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. إن هذا التقليد القادم من الآخرين لم يكن مقبولًا في شريعة الإسلام مهما ظنه بعض الناس فعلاً ترحيبيًا بريئًا إذا حسن قصد فاعله، ولكن هذا التقليد اصطدم بثوابت شرعية تتعلق بتوحيد الله، وإفراد الله -تعالى- بكل صور العبادة والتي منها السجود، وهذا المعيار الدقيق في التفريق بين ما يمكن قبوله من نتاج الآخرين وما لا يمكن قبوله لا يكون إلاّ لمن امتلك هوية ثقافية واعية، وعلمًا شرعيًا مستمدًا من دلائل الكتاب والسنة. waleed1418@ لا توجد كلمات دلالية لهذا المقال القراءات: 1
مشاركة :