المسلمون بين التدوير والتطوير والتغيير - عادل الكلباني

  • 12/27/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لكي يبدأ أحدنا في التفكير بأن يكون جزءًا من الحل عليه أن يعرف أين موضعه، وفي أي شريحة هو من شرائح المجتمع التي تتصارع ليظفر كل واحد منها بترسيخ فكرته وفرض قانونه في الحياة؟ يبدو للناظر من أول وهلةٍ إلى ما يحدث للمسلمين من حروبٍ وفتن وخلافات وقتل وتشريد وفقر وتجويع يبدو له أن الأمر خرج عن السيطرة، و"أن الخرق اتسع على الراقع"، فتتشرب نفوس الكثيرين بالنظرة السوداوية المعتمة البعيدة عن روح التفاؤل التي تترسخ في نفس كل من ينظر إلى الحياة على أنها منحة من الله، وأن إعمارها والرقي بها مطلب إلهي يأبى العقل والمنطق اعتراضه، وصاحب تلك النظرة السوداوية إنما أوتي من قبل جهله بأيام الله وسننه في خلقه، وغفلته عن ما يراد منه كي يكون لبنةَ إصلاحٍ وبناءٍ في المجتمع المسلم، ولكي يبدأ أحدنا في التفكير بأن يكون جزءًا من الحل عليه أن يعرف أين موضعه، وفي أي شريحة هو من شرائح المجتمع التي تتصارع ليظفر كل واحد منها بترسيخ فكرته وفرض قانونه في الحياة على بقية من يتصارع معهم؟ وإليك أخي القارئ الكريم تلك الشرائح الثلاث المتصارعة فكريًا ومنهجيًا واستراتيجيةً، فبعد معرفتها قد تعزم على أن تضع نفسك ولابد في أحدها، وليكن ذلك عن عزم وإصرار على النهوض بالمجتمع المسلم وانتشاله من حضيض الصراعات العائقة له عن مواكبة العصر الحديث. فأول هذه الشرائح هم التدويريون: ولعله مصطلح لم أسبق إليه في تقييم المجتمعات ولكنه مستنبط من عمق الحقيقة والواقع، وهؤلاء قد يسمون أنفسهم بمسمياتٍ كثيرة، مسمياتٍ برّاقة قد التحفت بلحاف الماضي وتجوّفت بشيء من الصدمة والانبهار من الحضارة العصرية التي شكلت في نفوسهم معضلة التناقض الموهوم بين ما ورثه المسلمون من حضارة وبين ما توصل إليه العالم الحديث من علم، وظنوا أن هذا التناقض الذي توهموه شيء مصادمٌ للموروث الديني، فأعدوا أنفسهم لمصادمته ولو ظاهريًا، ويحاولون بكل جهد إعادة نسخ الماضي بكل أشكاله الدينية، والعرفية، والعاداتية، ولصقه في صفحة العصر، ويحاولون تدوير مجتمعاتهم وتشكيلها بحسب نظرتهم هذه، وهؤلاء أيضاً لا يسلمون من مناقضة أنفسهم، فكثيرا ما ينصاعون لنبرة التطور في حياتهم، غير أنهم ماضون في محاولة الظهور في قالب المجتمع العتيق شكليًا وفكريًا ومنهجيًا، وهم يشكلون قطاعًا واسعًا من المجتمع المسلم المتهيئ لمثل هذه الدعوات التي تلجأ في كثير من الأحيان إلى الضرب على وتر العاطفة، وعند تقييم هذه الثلة من المجتمع نجد أنهم يقيمون أنفسهم بأنفسهم، وناتج التقييم يكون سلبيًا طبقًا لقولهم وقول كل مسلم "إن القرآن يصلح لكل زمان ومكان" ولكنهم يريدون إعادة تدوير المجتمعات بما لا يتوافق مع الزمان والمكان، وهؤلاء أيضًا ليسوا على وتيرة واحدة في الأسلوب بل يتفرعون فروعًا كثيرة، ولكل فرع منهم أسلوبة وأيدلوجيته في فرض فكره، وهذه الفكرة شديدة الخطر، لا يساندها العقل ولا الشرع ولا الفطرة، والأخطر منها هم أولئك الذين يلجأون إلى العنف في فرضها ويستبيحون الأنفس والأموال لتعميقها. أما الشريحة الثانية فهم التغييريون: وهذه الشريحة من المجتمع هي قلّة، ومفهوم التغيير لا أعني به ما يتبادر إلى أذهان العامة من الناس، بل أعني به التغيير على حقيقته وهو التبديل، فالتغييريون بهذا المصطلح هم من ينظر إلى أن المجتمعات المسلمة ارتبطت بماضيها جملة وتفصيلاً، وواجبهم هو إخراج المسلمين من ماضيهم كذلك جملةً وتفصيلاً! وكما ترى فهم نقيض للشريحة الأولى. والصراع هنا جذري وهو أقرب إلى الصراع الناتج عن الخطأ المترتب على نظرة الفريقين لأنفسهما، فالأولون لم يظهروا بالمظهر الصحيح كحاملي منهج رباني، ومع هذا الخطأ يعتقدون أنهم هم أهل الحق وأن الحق لا يتجاوز دائرتهم، وأما هؤلاء فينظرون لأنفسهم مقارنة بخطأ وجهل غيرهم، فتصوروا أنهم هم أهل الحضارة والتمدن والرقي، وأن من دونهم متخلف ورجعي، ووجوده عبء على هذه الحياة، ومن أجل هاتين النظرتين يستمر الصراع بين هؤلاء وهؤلاء صراع إزاحة وإقصاء، وتفرد وبقاء. وأما الثالثة فهم التطويريون: وهؤلاء هم من يحملون راية الإصلاح حقيقةً وينظرون إلى الحياة على أنها مزيج من التعاون بين فئات المجتمع المسلم وأنه لا أحد أحق بالحياة من الآخر، فينظرون إلى الماضي على أنه أساس متين، يبنى عليه الحاضر، لكنه لا يشده إليه، فينظر من زاوية الدين بالثبات والاتباع، ومن زوايا أخرى فنظرته تقع على عاداته وتقاليده واقتصاده وتجاراته وقدراته المتاحة بحسب زمانه ومكانه فيؤخذ منه الجميل المتوافق مع زمن التقنية الرقمية، والاتصالات، ويطوي ما سواه غير ذامٍّ لتلك المجتمعات التي اعتادت عادات، وتقلدت تقاليد توافق زمانهم ومجتمعاتهم. إن هذه النظرة الأخيرة هي التي ينبغي لمن جعلهم المجتمع قدوته من علماء ومشايخ وأساتذة وإعلاميين ونجوم أن يسيروا وفقها، ويجعلوها منهج إصلاحهم ومرتكز خطابهم، ومنها ينبغي الانطلاق للنظر في الماضي والمستقبل وتنقيتهما وتصفيتهما مما فيه مصادمة للعقل والفطرة اللذين من المحال أن يتعارضا مع دينٍ منزل من خالق العقل والفطرة.

مشاركة :