منطقة رمادية بين الحياة والموت

  • 8/5/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لأول مرة يمكن القول بأن هناك منطقة رمادية بين الحياة والموت؛ إذ تمكّن علماء من أن ينعشوا لبضع ساعات الدورة الدموية في خلايا من أجسام خنازير نفقت قبل وقت وجيز ونجحوا في إحياء عملها، بحسب دراسة تفتح باب الأمل على استخدامات طبية لهذه التجربة، لكنها تثير أيضًا مسائل تتعلق بالأخلاقيات. وبقيت قضية إحياء الموتى محصورة في النصوص السماوية ويقوم على أساسها الإيمان بالبعث باعتباره الرد الشامل على ألد عدو للإنسان: الموت. ويروي الإصحاح الحادي عشر من إنجيل يوحنا قصة إحياء السيد المسيح للعازر من الموت بعد وفاته بأربعة أيام وتعد من المعجزات الربانية التي قدمها عيسى بن مريم كدليل على نبوءته ومبعث لإيمان حوارييه برسالته. ويقوم الإيمان المسيحي على بعث المسيح نفسه من الموت بعد أن صلب ودفن في القدس. لكن فريقا من جامعة ييل الأميركية نجح في إحياء وظائف خلايا خنازير بعد ساعات من موتها. باستخدام تقنية "أورغانكس" صار ممكنا "إنقاذ الأعضاء" بإطالة أمد عملها، ما قد ينقذ حياة الأشخاص الذين ينتظرون عمليات زرع وكان نفس الفريق من الباحثين في عام 2019 قد أذهل الأوساط العلمية من خلال نجاحه في إحياء وظائف الخلايا في أدمغة الخنازير بعد ساعات قليلة من نحرها. وسعى العلماء أنفسهم، في بحثهم الأخير الذي نُشر الأربعاء في مجلة “نيتشر”، إلى توسيع هذه التقنية لتشمل جسم الحيوان بالكامل. وافتعل العلماء لهذا الغرض نوبة قلبية لدى خنازير مخدرة، مما أوقف تدفق الدم وحرم خلاياها من الأكسجين، علماً أن خلايا الثدييات تموت في غياب الأكسجين. وما هي إلا ساعة حتى حقنوا جيف الحيوانات بسائل يحتوي على دم سُحب من الخنازير وهي حية، وشكل اصطناعي من الهيموغلوبين – البروتين الذي يحمل الأكسجين في خلايا الدم الحمراء، إضافة إلى أدوية تحمي الخلايا وتمنع تكوّن جلطات الدم. وأدى ذلك إلى تدفق الدم مجدداً وعاودت عدة خلايا العمل خلال الساعات الست التالية، ومنها تلك الموجودة في الأعضاء الحيوية كالقلب والكبد والكليتين. ويفتح البحث المذهل الباب على السؤال الكبير: هل العودة من حالة الموت ممكنة؟ وقال المعدّ الرئيسي للدراسة الباحث في جامعة ييلنيناد سيستان خلال مؤتمر صحافي إن “هذه الخلايا صارت تعمل بعد ساعات بينما لم يكن من المفترض أن تعمل، وهذا يدل على إمكان وقف اختفاء الخلايا”. Thumbnail أما الشريك في إعداد الدراسة ديفيد أندريجيفيتش، من جامعة ييل أيضاً، فأشار إلى صعوبة التمييز بواسطة المجهر بين عضو طبيعي وسليم وآخر عولج بعد النفوق. وأوضح أن الفريق يأمل في أن يصبح استخدام هذه التقنية المسماة “أورغانكس” ممكناً “لإنقاذ الأعضاء” من خلال إطالة أمد عملها، ما قد ينقذ حياة الأشخاص الذين ينتظرون عمليات زرع. كذلك قد تتيح “أورغانكس” أشكالاً جديدة من الجراحة من خلال توفير “هامش أكبر للمناورة الطبية”، وفقاً لأندرس ساندبرغ من جامعة أكسفورد. إلا أن هذه التقنية تثير جدلاً بشأن عدد من المسائل المتعلقة بالطب والأخلاقيات وحتى المفاهيم الفلسفية. وحذر أخصائي الأخلاقيات الحيوية في كلية غروسمان للطب بجامعة نيويورك برندان بارنت، في تعليق أوردته “نيتشر” بالتوازي مع الدراسة، من أن هذه التقنية قد تؤدي إلى “زيادة عجز الأشخاص الذين تم إنعاشهم عن الخروج من وضع تلقي المساعدة الطبية الحيوية”. الجدل الأهم سيكون على المستوى الشعبي، وسيتمحور حول ما إذا كانت هذه النتائج المذهلة تتوافق أو تتعارض مع المفهوم الفلسفي للأديان ونظرتها للموت أما سام بارنيا من قسم الطب في الجامعة ذاتها، فلاحظ أن هذه الدراسة التي وصفها بأنها “مهمة” تُظهر أيضاً أن “الموت حالة بيولوجية بالإمكان معالجتها والعودة منها بعد ساعات”، حتى أن الفيلسوف المتخصص في الأخلاق بجامعة نوتنغهام ترينت البريطانية بنجامين كيرتس رأى أن التعريف الطبي للموت قد يحتاج إلى تحديث. وقال “في ضوء هذه الدراسة يتبين أن ثمة أموراً كنا نعتقد أن لا رجعة فيها، لكنّها في الواقع ليست كذلك”. وأضاف “وفقاً للتعريف الطبي الحالي للوفاة، قد لا يكون الشخص ميتاً فعلياً قبل ساعات”، إذ يستمر عمل بعض عمليات الجسم لفترة زمنية معينة بعد توقف وظائفه. وقد يثير هذا الاكتشاف أيضًا نقاشاً حول تَوافُق مثل هذه الإجراءات مع الأخلاقيات. وأشار ستيفن لاثام الذي شارك في إعداد الدراسة إلى أن حركات قوية من رؤوس الخنازير ورقابها لوحظت خلال الاختبار. وقال للصحافيين “كان الأمر مفاجئا جداً لمن في القاعة”. ولم يُعرف مصدر هذه الحركات، لكن لاثام أكد أن أي نشاط كهربائي في دماغ الحيوانات لم يُسجل في أي وقت، مستبعداً تالياً أن تكون الحيوانات استعادت وعيها. وأكد بنجامين كيرتس أن ثمة “اهتماماً كبيراً” بحركات الرأس هذه، لأن الأبحاث الحديثة في علم الأعصاب تشير إلى أن “التجربة الواعية يمكن أن تستمر حتى في حال عدم رصد نشاط كهربائي في الدماغ”. وأضاف “لذلك من المحتمل أن تكون هذه التقنية تسببت في معاناة للخنازير ويمكن أن تسبب معاناة للبشر إذا طُبقت عليهم”، داعياً إلى إجراء المزيد من الأبحاث في هذا الشأن. لكن الجدل الأهم سيكون على المستوى الشعبي، وسيتمحور حول ما إذا كانت هذه النتائج المذهلة تتوافق أو تتعارض مع المفهوم الفلسفي للأديان ونظرتها للموت.

مشاركة :