الشعر الجاهلي الحديث

  • 12/14/2013
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يثير مصطلح الجاهلية نسبة إلى الشعر عددا من الإشكالات التي لا أنوي أن أتطرق إليها، سوى أن هذه الإشكالات تظل موجودة عندما نجد هذا المصطلح لنصف به منجز الشعر الحديث بدءاً من ظهور قصيدة التفعيلة. فالثورة الشكلية التي تواطأ على بعثها شعراء كثر في فترة وجيزة تمثل ثورة على قيم كثيرة منها قيم المؤسسة التي تكرس التبعية والوظيفية. وبذلك ينبعث من الشكل الجديد قيم جديدة تلتقي مع قيم موجودة في الشعر القديم الذي نصطلح عليه بالشعر الجاهلي. فالشعر الجاهلي كان منفكا عن المؤسسة -إلى حد كبير-بحكم تأثيرها المحدود على الحياة العامة، لذلك كان معبرا عن رؤية الفرد حتى عندما يتقاطع مع المؤسسة، كما في اعتذاريات النابغة. من هذه الزاوية يمكن أن نصف الشعر الحديث بالجاهلي إحالة إلى السمة التي تجمع بين العصرين. ففي العصر الحديث تخلى الشاعر عن توظيف موهبته لخدمة المؤسسة واتجه إلى خدمة الفكرة والتعبير عن الذاتية في الإنسان والأشياء. من مظاهر جاهلية الشعر الحديث ما رصده عدد من الباحثين من تعبيرات ونصوص بمجملها تتعارض مع العقيدة الإسلامية، التي ظل الشعر العربي متوافقا معها منذ عصور الإسلام الأولى. ويمكن رصد التحول الذي طرأ على الشعر من الجاهلية إلى الإسلام في عهد النبوة وما بعده من خلال الشعراء المخضرمين أمثال الحطيئة الذي أسلم في خلافة أبي بكر. والحطيئة راوية زهير بن أبي سلمى وقصته المعروفة مع عمر بن الخطاب عندما هجا الحطيئة الزبرقان بن بدر. كذلك الشعر الحديث منذ ظهوره الأول يتصادم إلى الآن مع العقيدة نتيجة للنزعة الفردية والانفصال من المؤسسة. فعدد كبير من الشعراء العرب الكبار الذين قادوا حركة التحديث خرجوا من مجتمعاتهم إلى المنافي. فقد توفرت لهم ظروف الانفصال عن المجتمع العربي في كثير من قيمه، سواء كان هذا الانفصال سببا أو نتيجة للنزعة الفردية والثورة الشعرية الجديدة. إن عدداً من نقاد الشعر الحديث ربط بين الشعر الحديث والشعر العباسي لإحداث نوع من التوافق بين التجربتين على المستوى الفني، والتدليل على مشروعية التجديد، ووضعت تجربة أبي تمام مركزا لهذه الرؤية. إلا أن تجربة الشعر العباسي في مجملها ظلت متوافقة مع العقيدة الإسلامية باستثناء تجربة الشعر الصوفي التي ظلت في عصرها محدودة التأثير. لذا، فإن الربط بين الشعر الحديث والشعر العباسي لا يستقيم إلا في حدود ضيقة. من هنا يجدر أن نقيس تجربة الشعر الحديث إلى تجربة الشعر الجاهلي لما فيها من تحولات على أكثر من مستوى، بما فيها الفني والأخلاقي. وقياس الشعر الحديث على الشعر الجاهلي ربما أوحى بالتحولات الممكنة لهذه التجربة الجديدة. فإن من المفارقة أن يسمى الشعر القديم جاهلياً وتظل له مكانة فنية عالية في الماضي والحاضر. فإن الشعر الحديث يمتلك مقومات مماثلة من الفنية العالية والرؤية التي ربما لا تتفق في أمثلة كثيرة مع عقيدة المجتمع المسلم، ولا تتفق مع المؤسسة السياسية، بل ربما تقف معارضة للتراث القديم والمتوسط. لذا، فإن بعد مضي ما يقرب من خمسين سنة على تجربة الشعر الحديث، وبعد الوصول إلى معطى فني يلخص هذه التجربة عند عدد من الشعراء، هل للشعر ما بعد الحديث أن يكون أكثر توافقا مع العقيدة الإسلامية، كما كان شعر عهد الخلافة الراشدة والشعر الأموي؟

مشاركة :