في البداية أود أن أنوّه بأنني لست ناقدًا أدبيًا وأن السطور التالية ما هي إلا انطباعات قارئ متذوق مهتم بالقصة القصيرة ولا تخرج عن كونها ملاحظات أو آراء بسيطة لا ترقى إلى مستوى النقد.وبادئ ذي بدء أهنئ الزميلة القاصة فاطمة النهّام على باكورة إنتاجها الأدبي المتمثل في هذه المجموعة والذي يوضّح تصميمها على السير قدمًا في هذا الدرب الشائك، أي درب القصة القصيرة، وعزمها على الاستمرار ومواصلة تطوير موهبتها في هذا المجال، حيث علمت أنها تعد حالياً لإصدار كتابها الثاني، وهو مجموعة قصصية أيضاً، مما يؤكد إصرارها على خوض هذا الدرب ونقش اسمها كقاصة بحرينية متميزة. يتألف الكتاب من ست قصص متوسطة الطول، أو أطول قليلاً، وهي: اغتيال طفولة، وردة القلب، أبي الحبيب، الخائن، شمعة لا تذوب وطفلة على الهامش. وجميع هذه العناوين جذابة وتحمل مسحة أدبية تغري القارئ بقراءتها. وقد جاءت كل هذه القصص على لسان أخصائية اجتماعية متقاعدة عن العمل اسمها ميساء جاسم، تسترجع فيها ذكرياتها مع هذه المهنة وقصص نجاحاتها وإخفاقاتها في معالجة مشاكل طلبتها وهمومهم.كل قصة من هذه القصص، علاوة على غلاف الكتاب، تتصدرها لوحة جميلة معبرة من رسم إحدى ابنتيها، أمل وأسيل، مما يدل على مشاركتهما للأم في إعداد هذه المجموعة وحبهما لهذه الهواية. وقد ذكرتني هذه الرسومات بقصص الكاتب الكبير نجيب محفوظ في الستينات والسبعينات، حيث تسبق كل قصة من قصصه لوحة تعبيرية، وكما يقولون، الشيء بالشيء يذكر، حيث أنني شخصياً، قبل إصدار مجموعتي الأولى (تجربة) في عام 1999، طلبت من الصديق الفنان عبد العزيز الحلال رسم لوحات توضيحية للقصص، وقد رحب بالفكرة، وخرجت المجموعة مزينة برسومات جميلة وكانت تعاوناً مشتركاً بيننا. وما دمنا نتحدث عن الرسوم أو اللوحات التي ترافق القصص، أود أن أشير إلى أن هناك رأيين مختلفين حول ذلك، الرأي الأول يؤيد وجود لوحة أو رسمة مرافقة للقصة أو القصيدة ويعتبر ذلك عنصر جذب لقراءتها والتعبير عن مضمونها، أما الرأي الآخر فهو لا يؤيد هذا الشيء ويرى أن من الأفضل عدم وجود لوحة توضيحية وترك المجال للقارئ لتخيل مكان القصة وأبطالها وأحداثها وأن اللوحة تقتل الخيال لدى القارئ.وتتناول قصص الكتاب عدة قضايا اجتماعية وإنسانية من واقع الحياة وتسلط الضوء عليها وتوضح دور الأخصائية الاجتماعية في معالجتها وحلها. ففي قصة (اغتيال طفولة) تتطرق القاصة إلى قضية الأطفال مجهولي الأب وظروفهم الأسرية المزرية التي يعيشونها من إهمال وفقر شديد وعدم وجود يد حانية عليهم، فتبادر الأخصائية الاجتماعية إلى مساعدتهم ورعايتهم ودعمهم مادياً ومعنوياً وتشجيعهم على التغلب على هذه الصعوبات.«قدر الله أن يأتي إلى الدنيا بسبب غلطة ارتكبها والداه، ليكابد المهانة والدونية واللاإنسانية، تلاحقه نظرات الاحتقار والاشمئزاز في واقع مرير أتى فيه إلى هذه الدنيا، لا ذنب له سوى أنه كان نتاج نزوة عابرة».وفي قصة (وردة القلب) تتحدث الأخصائية الاجتماعية عن مأساة أم ثكلت بموت طفلها الوحيد في حادث سيارة وتصوّر معاناتها ومشاعر حزنها بفقدانه ودور الأخصائية الاجتماعية في العناية بالطفل قبل موته ثم مواساتها للأم التي تأتي إلى المدرسة كل يوم ومشاطرتها في حزنها والوقوف معها في وقت الشدة.«اقتربت منها وجلست بقربها وأنا أتأملها بصمت. شعرت للحظة وكأن عقلها يصول ويجول في عالم آخر، عالم وحيدها (زهير)، وردة القلب وزهرة الفؤاد، وكأنه العالم بأسره، بألوانه وجماله وعذاباته».أما قصة (أبي الحبيب) فتصوّر وفاء وامتنان ثلاث أخوات لوالدهن المسن الذي قام بتربيتهن ورعايتهن أحسن تربية بعد خيانة زوجته وهروبها من البيت، فيرفض الأب الزواج من امرأة ثانية ويكرس حياته للاهتمام بهن وتوفير الحياة الرغدة لهن، ومن جهة أخرى ترد هذه البنات الجميل لوالدهن ويقمن برعايته وخدمته ويرفضن الزواج في سبيل ذلك.«أخذت إحداهن كأس العصير ووضعته على شفتي والدها ليتناوله ببطء، وأخذت الأخرى تمسح لحيته برفق بمنديلها الأبيض وهو يتناغم معها كالطفل. تأملت الموقف باهتمام وأنا أشعر بالاستغراب من هذه المجموعة الفريدة، اهتمام الفتيات غير العادي بوالدهن في زمن كثر فيه العقوق والجحود!».وتتكرر قضية الخيانة الزوجية في قصة (الخائن)، حيث تروي الأخصائية الاجتماعية ميساء جاسم حكاية صديقة لها تعرضت لخيانة زوجها وإقامته علاقة غرامية مع طالبة في سن ابنته، فتسعى ميساء جاهدة لحل هذه المشكلة وتنجح في إقناع الطالبة بالابتعاد عن الرجل وبالتالي إعادة الزوج إلى حظيرة أسرته.أما في قصة (شمعة لا تذوب) فتتحدث الأخصائية عن أسرة فقيرة تعيش في ظروف معيشية صعبة وتسكن في مرآب (كراج) أحد البيوت، والأم مصابة بجلطة دماغية، وذلك بعد وفاة عائلها وتورطه قبل ذلك في ديون طائلة بسبب لعبة القمار: «فالأم الرائعة أصيبت بجلطة دماغية وأصبحت طريحة الفراش، لا تقوى على الحركة أو النطق. تذكرت حضورها المستمر إلى المدرسة وضحكتها المتدفقة، واهتمامها المستمر بابنتها. كانت (رغد) طالبة مجتهدة ومثالية، يتم اختيارها دوماً لعرض البرامج الإذاعية الصباحية. الآن أصبحت تعمل وتنفق على أسرتها، حملت مسئولية الأسرة على عاتقها وهي لا تزال شابة وصغيرة، لم تستطع بناء مستقبلها وتكملة دراستها الجامعية. يا للخسارة!».فتقوم الأخصائية بإبلاغ المركز الخيري للأطفال الأيتام الذي تعرف مديره معرفة قديمة، فيبادر المركز بترتيب حصول الأسرة على منزل جديد وتخصيص راتب شهري لها علاوة على تكفل الدولة بالدراسة الجامعية لابنتها الشابة.وفي قصة (طفلة على الهامش) تتذكر الأخصائية حكاية طالبة يتيمة تعاني من ظروف معيشية صعبة ومن إهمال زميلاتها الطالبات لها والسخرية منها بسبب هندامها المهلهل ورائحتها الكريهة، وتدني مستواها الدراسي، فتضطر إلى الغياب عن المدرسة لكي تقوم برعاية أمها وأختيها الصغيرتين، فتزورها الأخصائية في البيت وتتعرف على مشكلتها وتقف إلى جانبها وتقنعها بمواصلة الدراسة ودعمها معنوياً ومادياً، فتعود الطالبة إلى مقاعد الدراسة وتصبح متفوقة في دراستها إلى أن تصبح شابة وتغدو كاتبة واعدة وتصدر أول رواية لها. وقد جاءت جميع القصص بأسلوب جميل سلس ومباشر، بعيداً عن تعقيدات الغموض والتكثيف، وتخللتها العبارات والجمل المشحونة بالمشاعر الفياضة والعواطف الصادقة. وكمثال على ذلك هذه الفقرة من قصة ( أبي الحبيب ): «ما لفت انتباهي وإعجابي هو اهتمامهن وحرصهن على احتواء هذا الرجل بكل الحب والحنان والدلال وكأنه طفل يجلس بين أمهات ثلاث، رعايتهن له وكأنه العالم بأسره، وكأن لحظات اهتمامهن به لا تقدر بثمن».ومثال آخر من قصة (شمعة لا تذوب): «فهناك شمعة جميلة مضيئة، تعطي الكثير لتنير العالم المظلم من حولها. إنها الشمعة المعطاءة التي تعطي نورها وهي صامتة. تحت الأمطار تبقى مشتعلة.. وبين الرياح تبقى صامدة.. وفوق الثلوج تبقى مضيئة.. لأنها باختصار: شمعة لا تذوب».وأختم انطباعاتي بملاحظتين صغيرتين أولهما وجود بعض الأخطاء الإملائية واللغوية في ثنايا القصص والتي نرجو تلافيها في الكتب القادمة، والثانية تكرار عبارة «قصة قصيرة» مرافقة لكل لوحة وكل عنوان في بداية كل قصة، فالقارئ يعلم أنه يقرأ مجموعة قصصية ولا داعي للإشارة إلى أن ما يقرأه هو قصة قصيرة. وختاماً أتمنى للقاصّة الواعدة فاطمة النهّام التوفيق وتحقيق ما تصبو إليه.
مشاركة :