دخلت الجزائر رسميا على خط تصريحات أحمد الريسوني رئيس اتحاد العلماء المسلمين، بعدما وصفت اللجنة الوزارية للفتوى التابعة لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف في بيان، التصريحات بأنها “اعتداء على سيادة دولتين جارتين هما الجزائر وموريتانيا ودعوة صريحة إلى الاعتداء على سيادة الدول”. وقال محللون سياسيون إن توظيف تصريحات الريسوني للإساءة إلى المغرب وخلق توتر بينه وبين جيرانه يظهر سوء النية لدى النظام الجزائري الذي يعرف قبل غيره أن تلك التصريحات لا تمثل المغرب ولا تعبر عن موقفه الرسمي. وأشار هؤلاء المحللون إلى أن المغرب له مواقفه الرسمية وجهات دبلوماسية تعبر عنها، والجزائر يمكنها أن تنطلق من تلك المواقف للتعليق أو الهجوم كما تفعل دائما، بدلا من الاتكاء على موقف عرضي. وأكد نبيل أندلوسي، الباحث في العلاقات الدولية، أن النظام الجزائري لا يفوّت فرص الهجوم على المغرب، وما ردة فعل اللجنة الوزارية للفتوى في بيانها إلا تأكيد لهذا التوجه الذي تشتغل عليه وزارة الخارجية الجزائرية والأجهزة الاستخباراتية، والقائم على توتير العلاقات بين المغرب وباقي الدول، وعلى رأسها دول المنطقة المغاربية، وهو ما فشلت فيه إلى حد الآن. ويبدو أن الحكومة الموريتانية قد تفطنت إلى لعبة الجزائر عندما لم يقحم الناطق باسم الحكومة محمد ماء العينين ولد أييه، الأربعاء، المغرب في هذا الجدل، معتبرا أن “تلك التصريحات مُستنكرة ومدانة ومردودة على صاحبها، ولا يوجد ما يعطي أي مصداقية لها”، وهو ما يبدو طيا لهذا الملف كونه صادرا عن شخصية ليست لها امتدادات حزبية وسياسية. وتشهد العلاقات الثنائية بين المغرب وموريتانيا خلال الفترة الأخيرة تطورا ملحوظا على مستويات عديدة، منها التعاون الاقتصادي وتبادل الزيارات الرسمية، خصوصا مع قرب إلغاء التأشيرة بين البلدين كمؤشر على زخم أكبر ستشهده تلك العلاقات مستقبلا. كما أن موريتانيا تريد أن تؤكّد للرأي العام المحلي والإقليمي أنها بعيدة عن الاصطفافات الإقليمية، وأنها تبني سياساتها خارج الصراع القائم بين الجزائر والمغرب. نبيل أندلوسي: التوجه الرسمي المغربي لم يتبن يوما التوسع على حساب دول الجوار ولا يروق هذا التطور للنظام الجزائري الذي يعمل بجهد أكبر لنسف أي نقاط التقاء بين المغرب وموريتانيا، منذ مجيء الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني الذي أظهر رغبة أكيدة في التعاون مع الرباط، خصوصا أن موريتانيا بدأت تنأى بنفسها عن اختيارات الجزائر في عدد من القضايا، منها موضوع الصحراء المغربية وخلافها مع مدريد، كما أن المسؤولين الموريتانيين يفكرون بمنطق المصالح بعيدا عن التشنجات التي طبعت علاقة بلادهم بالجزائر. وكان الريسوني قد قال في مواقف مثيرة للجدل إن دول المنطقة المغاربية كلها تعاني من تداعيات مشكلة الصحراء المغربية، مؤكدا أنها “صناعة استعمارية”، وأن جبهة بوليساريو الانفصالية محضونة من طرف الجزائر وتتخذ من مدينة تندوف عاصمة لجمهوريتها الوهمية، “وفيها قاموا بتجميع الآلاف من أبناء الصحراء (الساقية الحمراء ووادي الذهب)، الذين يعيشون في المخيمات -في أوضاع مزرية- منذ عشرات السنين”. وشدد الريسوني على أن بلدان المغرب العربي الخمسة في أمس الحاجة إلى تجاوز هذه المشكلة التي تعرقل وتعطل جهود الوحدة والتنمية، وتهدد السلم والاستقرار في المنطقة، داعيا المسؤولين الجزائريين إلى أن يتركوا للمغرب معالجة النزاع باعتباره قضية داخلية. وأوضح نبيل أندلوسي، في تصريح لـ”العرب”، أن الضجة لم تنتعش وتستعر إلا بعد انقضاء مدة أسبوعين على تصريحات الريسوني التي جاءت يوم 29 يوليو، أي بعد الترويج الجزائري للأمر وإثارة الرأي العام بشأنها. وقد كان المستهدف بشكل أساسي من هذا التأليب هو الرأي العام الجزائري والموريتاني بهدف تشويه صورة المملكة المغربية وتصويرها كدولة توسعية لها أطماع في الأراضي الجزائرية والموريتانية. وأضاف أندلوسي أن “التوجه الرسمي للمملكة المغربية لم يتبن يوما التوسع على حساب دول الجوار، بل بالعكس كل البيانات والعمل الدبلوماسي للمغرب والآراء المعبر عنها في مختلف المنتديات الدولية تؤكد دفاع الرباط عن السيادة الوطنية للدول، ومنها دول المنطقة بطبيعة الحال، بل وحتى تصريحات الريسوني، للإنصاف، تحدثت عن أحداث ووقائع تاريخية لا يمكن إنكارها، ولم يعبر عن أي طموح إلى التطاول على سيادة دولة شقيقة، وهي الدولة الموريتانية”.
مشاركة :