د. شريف عرفة يكتب: استبدال البشر!

  • 8/27/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

سمعنا كثيراً أن الذكاء الصناعي لا يمكنه استبدال وظائف البشر، إلا في المهام الروتينية التي لا إبداع فيها. فالبشر قادرون على الابتكار واتخاذ قرارات معقدة وقادرون على الإبداع الفني، بينما البرامج تتعامل مع بيانات موضوعية جامدة.. لكن اليوم تغير هذا الكلام، وانقلبت الأمور رأساً على عقب. منذ عام واحد فقط، لم أكن لأتخيل أن تصلني دعوة، لأجرب برنامج ذكاء صناعي يقوم بصنع لوحات فنية شديدة الإبداع والأصالة لدرجة لا يمكن تفرقتها عن أعمال فنان بارع. لوحات كانت تستغرق أياماً وأسابيع لفنان بشري صعب الوصول إليه لازدحام جدول أعماله.. أصبح في الإمكان إعدادها في ثوان قليلة.. يكفي أن تكتب لبرنامج midjurney ما تريد، ليخرج لك تكوينات فنية غاية في الروعة تجاري الوصف الذي قدمته وتزيد عليه إبداعاً.. هل انقرض الفنان؟ أصبح هذا السؤال واقعاً يثير جدلاً كبيراً في المجموعات المغلقة للفنانين التشكيليين على مواقع التواصل... فمنهم من يرى أن هذا يهدد الفن بالفعل وجعل أناساً يجعلون الأساسيات ولا يستطيعون محاكاة رسوم الأطفال، جعلهم يعتبرون أنفسهم فنانين يبيعون اللوحات لمجرد أنهم يكتبون الأوامر لهذا البرنامج... ومنهم من اعتبر هذا البرنامج مجرد أداة مفيدة للفنان تزوده بالإلهام اللازم لعمله، مشيراً لما يعتريه من بعض القصور الذي يبدو أحياناً في بعض اللوحات... إلى أن جاءت الصاعقة الثانية خلال أيام قليلة... جاء Dall-E... برنامج آخر منافس ينتج لوحات لا يشوبها ذلك التردد الذي يعتري midjourny، بل يعطيك صورة واضحك مكتملة التفاصيل لا يمن تفريقها عن صور أبرع مصممي الجرافيكس أو أبرع المصورين الفوتوغرافيين... أهلاً! هل انقرض التصوير الفوتوغرافي هو الآخر؟ صاعقة ثالثة هوت قبل التقاط أنفاسنا، هي برنامج stability AI الذي جاء لينافس الاثنين... وقد يليه قريباً رابع وخامس... وجد الواحد نفسه -كفنان تشكيلي- يلهث وراء تعلم أبجديات التواصل مع هذه البرامج الجديدة غير عالم ما سيبدو عليه مستقبل الفن ذاته... كل هذا يحدث الآن في هذه اللحظات... لوحات مبهرة يتم إنتاجها بالآلاف كل يوم بعد أن كانت في ندرة عدد الفنانين ومزاجية إلهامهم ومحدودية وقتهم... الآن يمكنك طلب محاكاة أسلوبهم كي يقوم البرنامج بذلك... وهو ما رفع سقف الإبداع لدرجات عالية لا يمكن لبشري مجاراتها بالوسائل التقليدية... كل هذا السباق الرقمي المحموم، يعطينا تصوراً عن ضرورة تواضعنا كبشر، مدركين مدى قصورنا الإنساني وإمكانية محاكاة أكثر قدراتنا العقلية تعقيداً في المستقبل المنظور. وفي نفس الوقت، يملؤنا فخراً وثقة في قدراتنا التي خلقت هذا البرنامج الذي استطاع إنجاز هذه النتائج المبهرة... وضرورة تطويعه كي يكون لنا أداة تعيننا، لا تستبدلنا... قديماً كان ليوناردو دافنشي يقوم بتركيب مواد كيميائية لصنع درجات الألوان التي يريدها، وجاء الرسم الديجيتال -بالقلم على الشاشة مباشرة- لكنه لم يلغ الفنان، بل جعل حياته أسهل وعمله أسرع.. ويبدو أن الغد قادم بتغييرات جذرية تفوق ما يمكننا تصوره!

مشاركة :