جعلنا العزل المنزلي ننبش في ذكرياتنا القديمة، نحادث أصدقاءنا الذين لم نتواصل معهم منذ زمن، أو نطالع البرامج والمسلسلات التي عرضت في طفولتنا.. فلماذا نفعل ذلك في هذا التوقيت؟ ذكريات الشباب هي الأكثر حضوراً للذهن لأن هذا هو السن الذي تكتسب فيه خبرات تعينك على مواجهة الحياة حين تكبر.. هل تذكر الحب الأول في حياتك؟ أول وظيفة؟ ذكرياتك مع أصدقاء المدرسة أو الجامعة؟ لايزال عقلك متمسكاً بهذه الذكريات، لأن لها دوراً كبيراً في تشكيل وعيك.. ويعيدنا الحنين للماضي إلى ذكريات تلك الأوقات كانت تسير فيها الأمور على ما يرام.. ويلوذ بها الإنسان في الأوقات الصعبة بحثاً عن الطمأنينة واستثارة المشاعر التي كانت مصاحبة لهذه المواقف.. أغنية الأطفال التي كنت تحبها في طفولتك، ستثير فيك مشاعر إيجابية حين تعيد سماعها، وهذا التأثير كبير لدرجة أن تدريبات تذكر وكتابة المواقف الجميلة التي حدثت في الماضي مفيدة للوقاية من أعراض الاكتئاب لستة أشهر بعد هذا التدريب، كما تؤكد دراسة نشرت في دورية آبلايد كوجنيتيف سايكولوجي.. هذا أحد الأدوار التي يلعبها الحنين للماضي، لكنه ليس الدور الوحيد. فالحنين يلعب دوراً اجتماعياً بامتياز، ويساعد في إحداث تماسك في العلاقة.. كيف ذلك؟ في تجربة نشرت في جورنال أوف بيدرسوناليتي آند سوشيال سايكولوجي، طلبوا من مجموعة من طلبة الجامعة ممارسة هذا التدريب الذهني أن يسترجعوا ذكرياتهم الجميلة المشتركة مع أصدقائهم في الجامعة، وبعد ذلك أجروا لهم استطلاعاً لمعرفة مدى استعدادهم للتطوع في أنشطة طلابية، فوجدوا أن المجموعة التي مارست الحنين للماضي كانوا مستعدين للتطوع عدد ساعات أكثر من الذين لم يمارسوه.. لماذا؟ لأن استحضار الذكريات المشتركة أيقظ فيهم الشعور بالهوية المشتركة مع الزملاء والانتماء للجامعة فأصبحوا أكثر استعداداً لخدمتها.. وهذا ما نراه على مستوى الدول، بالحرص على الاحتفال بذكرى تاريخية أو إنشاء المتاحف، للتأكيد على الذاكرة التاريخية وإحساس أفراد المجتمع بأنهم ينتمون لبعضهم بعضاً.. حتى في الخلافات الزوجية، استعادة الذكريات الطيبة التي تجمع الزوجين تساعد في إنعاش مشاعرهم الرومانسية تجاه بعضهم. الحنين للماضي، ليس مجرد شعور عابر ولطيف، لكن له وظائف نفسية عديدة، وهذا لا يعني أن نظل نجتر الماضي متناسين الواقع الذي نعيشه.. الماضي مجرد خزانة متنوعة المحتويات، نذهب إليها لنحضر شيئاً مفيداً نحتاجه لنعود كي نواصل حياتنا، لا أن نأخذ من هذه الخرسانة ذكريات مؤلمة تنغص علينا واقعنا، أو أن نعيش في هذه الخزانة للأبد تاركين الحاضر والمستقبل دون أن نعطيهما القدر المناسب من طاقتنا الذهنية.
مشاركة :