أقامت جمعية الفلسفة السعودية مساء الأربعاء الماضي بالمدينة المنورة محاضرة بعنوان حديث الحداثة: "نظرات في فكر عابد خزندار"، وقدمها خليف غالب الشمري الأستاذ المساعد بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية، وأدار اللقاء هاني الجهني. وأكد الشمري أن عابد خزندار يعدّ أحد الوجوه الثقافية والأدبية في المملكة، وقد أتيح له التزامن مع فترة ما بعد تأسيس الدولة، وفترة ازدهارها ونموها، في كافة المجالات، وقد كان له حضور ثقافي مهم، من خلال تأليف الكتب، والكتابة الصحفية، وغيرها. وأضاف: "إضافة إلى ذلك كان لدى خزندار الكفاية اللغوية للتواصل والقراءة والاطلاع باللغة الفرنسية، مع إقامة طويلة في فرنسا، واحتكاك كبير بالمثقفين والنقاد الفرنسيين، واطلاع مهم على النظريات والمناهج الفرنسية، كل هذا وغيره يحفز الباحث على النظر في توجهاته النقدية، وآرائه الفكرية، وخلفياته النظرية". وأردف: "لقد عاش خزندار حياةً طويلة من حيث التغيرات السياسية والاجتماعية والفكرية، وأدرك الحرب العالمية الثانية، ونشأ في وسط مثقف، وتعلّم في فترة كانت تغلب فيها الأمية، وسافر وأقام في دول عربية وغربية، واستفاد من نظريات كثيرة، وكتب في الصحافة مدة طويلة، وله العديد من المؤلفات الفكرية والثقافية والأدبية، التي واكبت مراحل مهمة ومفصلية في تاريخنا الحديث، ولذلك كان هذا البحث حول تنظيراته النقدية والفكرية، التي عُني بها في مراحل مختلفة من حياته، وسيبتدئ البحث بتمهيد حول حياته وثقافته، ثم ببعض الخصائص الكتابية له، ثم عن جوانب تنظيرية في كتاباته الفكرية والنقدية، كمفهوم الإبداع، والحداثة، ونظرية التلقي، والصوت الأنثوي في الكتابة، وثقافة التلفزيون، والجنون والمجتمع". وقال الشمري: "لم يكتب عابد خزندار كتابةً أكاديمية خالصة، ولم يكن يعمد في كتاباته إلى وضع منهجية خاصة، أو إلى الالتزام بخطة واضحة المعالم أو منهج له حدود وأطر، بل كان يذهب إلى ما يسميه الكتابة على الكتابة، والاستطراد على السجية، وعدم الالتزام بالحدود، إنه يرى نفسه قارئًا لا ناقدًا، ويضع نفسه في مكان التلقي لا مكان التنظير، وهو يشبه نفسه أحيانًا بمنهجية الجاحظ في الاستطراد وعدم التصنيف، ويرى أحياناً أن كتاباته تشبه الأمالي"، قال فيها خزندار: "إنني أقلد أسلوب الأمالي وحلقات الدرس، وهو تقليد لا أتعمده، بل أنساق إليه غصبًا بحكم الطبيعة، ذلك لأنني تلقيت تعليمي في الكتاتيب وحلقات الدرس في المسجد الحرام، ولم أنتظم في سلك المدارس النظامية إلا في وقت متأخر من صباي، وعلى أي حال فإن أسلوب الأمالي هو أسلوب رواية ما بعد الحداثة". وعن كتاب حديث المجنون لخزندار أوضح الشمري: "لعابد خزندار إشارات مهمة عن الجنون الذي يتلبس العاشق، ومحاولة لقراءته قراءة وفق النسق الثقافي الذي أنتجه، والحقيقة أن هذا الكتاب من أعجب الكتب في تصنيفه، فهو نثر يجمع بين الآراء العلمية، والأقوال المقتبسة، والسيرة الذاتية، والتعليقات الفكرية، والشعر والأدب، ولذلك فإنه يصعب تصنيفه في حقل معين". يرى خزندار أن الإنسان مرتبط بالأعراف، وأنها إحدى خصائصه التي يصنعها ويحترمها ويهتم بها، وهو إما أن يعيش داخل العرُف، فيقدره ويسير وفق تعاليمه، وإما أن يعيش خارجه، وليس هناك حل وسط في هذه المسألة. وفي سياق تحليله للذات العاشقة، رأى خزندار أن العاشق يعيش خارج العُرف، ولا يمكن أن ينضوي تحت لوائه وهو عاشق، ولذلك يصعب عليه أن يقيم علاقات متزنة مع المجتمع، بل ومن الصعب عليه أن يقيم علاقة متزنة مع الذات المعشوقة. وذكر لذلك عدداً من الشواهد التاريخية والأدبية، كقيس المجنون، وعلاقته المرتبكة بالمجتمع وبليلى وأهلها، واعتزاله الناس، وعروة بن حزام، والمرقش الأكبر، ومدام بوفاري، وكذلك فِرتر الذي عشق شارلوت، لكنها كانت تقيم داخل العُرف (مؤسسة الزواج) ولهذا لم تستطع أن تتواصل معه في ظل علاقة متزنة. ومن الملامح المهمة في تحليله أنه يرى أن المجتمع يقنّن الحب كما يقنّن كل شيء، بينما يكون الحب ثائرًا ومتجاوزًا للأعراف والقوانين، وذلك ينتهي في أحيان كثيرة بالجنون، وبالعزلة، وبالانتحار ربما. هذه النظرات العابرة كانت نظرات تنظر إلى عمق العشق من حيث علاقته بالمجتمع، وعلاقته بالأعراف والقوانين الموجودة، التي تحتّم على أفراد المجتمع التمسك بها وعدم مخالفتها. ما كتبه خزندار يتقاطع بشكل أو آخر مع ما اهتم به فوكو في كتابه تاريخ الجنون، وخصوصا فيما يتعلق بالسلطة الاجتماعية وتأثيرها في الفرد، وما حلله في الأدب الغربي، ومن ذلك ما تطرق له من أعمال شيكسبير وسيرفانتيس. هذا الملمح الجميل لعلاقة العاشق بالجنون، وعلاقة ذلك بالانعتاق من السلطة الاجتماعية ممثلةً بالأعراف يمكن أن يكون بوابةً لبحث طويل حول هذه العلاقة الشائكة، وتجلياتها في الثقافة العربية. الأديب عابد خزندار
مشاركة :