مانديلا الحُر | د. محمد عثمان الثبيتي

  • 12/15/2013
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

أثبت الزعيم الجنوب إفريقي الراحل نيلسون مانديلا أن عبودية اللون لا تعيش إلا في العقول الواهنة التي استسلمت في لحظة ضعف لمثيلتها البشرية، وأن الاعتداد بالذات بعيدًا عن أي إسقاطات سلبية هو الوسيلة المُثلى لتجاوز المعوقات المتوارثة ذات البعد الاستعبادي التي حولت الحُرية إلى رِق لا يقبله العقل الحُر الذي مثله مانديلا خير تمثيل وقدّم فيه أنموذجًا تلقفته الأجيال السابقة والحالية بمزيد من الحبور، وسيظل نبراسًا للأجيال اللاحقة في رفض كل ما يُعكر صفو إنسانيتها وحقها في تقرير مصيرها وفقًا لتوجهاتها وما يُحقق أهدافها. ثلاثة عقود إلا قليلًا قضاها المناضل مانديلا في غياهب السجن ولم تزده إلا إصرار على المُضي في طريق الحُرية غير مكترث بكل ألوان التعذيب النفسي والجسدي التي واجهها إبان سجنه، وذلك فقط راجعًا لإيمانه بقضيته التي تبناها خارج السجن وأدخلته السجن ودافع عنها في السجن ومنحت أمة بأكملها الحُرية، وأوصلت قائدها إلى سُدة الحُكم في واحدة من الملاحم الأسطورية التي سيظل التاريخ يذكرها بمداد من ذهب. رحل مانديلا بعدما قدَّم دروسًا مجانية في مساقات مُتعددة؛ فبعدما ضحى بزهرة شبابه من أجل قضيته واصل هذا الرائع طرح رؤيته السياسية على أرض الواقع فلم يقابل الإقصاء بمثله، بقدر ما كان التسامح هو عنوان مرحلته الرئاسية التي تولاها بُعيد خروجه من أشهر زنزانة في التاريخ الحديث، فلم يقم بمعاقبة البيض على ممارساتهم ضد أبناء لونه لسببين يتمثل الأول في أنه صاحب مبدأ لا يُنادي به وقت الضيق وينساه عندما تُتاح له فرصة الاستئثار بكل شيء، بينما يكمن الثاني في أن نظرته لا تتجزأ لأبناء بلده؛ فلا فرق بين أبيض وأسود في عقلية مانديلا الأسود، وبناءً على هذه الرؤية الحضارية جاء بخصمه اللدود والرئيس السابق لبلاده نائبًا له في لفتة رفعت أسهمه محليًا وإقليميًا ودوليًا، وواصل هذا الزعيم المُتفرد سيناريوهات مسرحيته بالتخلي عن السلطة بعد أن شَعرَ أنه أعطى كل ما يُمكن أن يخدم بلاده من خلال موقعه الرئاسي. هذه الخصال التي مثلت في مُجملها رحلة بطل في كل المواقع التي مرَّ بها سواء أكانت في السجن أم في خارجه لهي جديرة بالتأمل والتمحيص لاستدرار العِبر والتعلُّم من النماذج الحية التي لا تُداهن معها سلطة، ولم يُلمعها إعلام، ولم يُزيِّف حقيقتها تاريخ، بل كانت مثالًا يُحتذى به في المصداقية مع الذات، ونموذجًا يُضرب في النزاهة عندما تتوافر مُسببات التجاوز، وإيثارًا على النفس عندما يرتبط الأمر بمصلحة وطن ومستقبل شعب. رحل مانديلا وتألم العالم - كله - على اختلاف دياناته وتعدد عرقياته وتنوع أيدلوجياته، وتقاسم - الجميع - مشاعر الحُزن مع جنوب إفريقيا - أرضًا وشعبًا - فعندما يكون الفقد بهذا الحجم فمنطقيًا سيكون التجاوب الوجداني بهذا الصدق، فعلى المستوى الشخصي كنت أتمنى "مانديلا" مسلمًا، لأترحّم عليه. Zaer21@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (33) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :