لم يكن فريق الشباب يوماً من الأيام غريباً على منصات التتويج وسجلات البطولات، إلا أنه كان فريقاً صديقاً للجميع والصداقة في الرياضة ليست حاضرة بصورتها الدائمة، فالرياضة وكرة القدم تحديداً لعبة ليست داخل العشب الأخضر فقط بل تتجاوزه لأكثر من ذلك إعلامياً وإدارياً. خالد البلطان رجل صنع التحول في هوية الشباب خلال قرابة العشرين عاماً التي مضت منذ قدومه الأول للنادي العاصمي الذي اشتهر بلقبه «الليث»، إذ حوله لنادٍ منافس على كافة الأصعدة. حضر البلطان في بداية قدومه للشباب كرئيس مكلف وكان موسمه الأول ذهبياً بعد أن عانق فريقه الليث لقب الدوري السعودي 2005/ 2006 وذلك على حساب الهلال في المباراة النهائية للبطولة التي كسبها بثلاثية عبد المحسن الدوسري وعبده عطيف وناصر الشمراني. بدأ البلطان في نادي الشباب بهدوء وسط أصوات تتردد حينها بأن الشخصية التي اعتلت دفة كرسي الرئاسة كانت على بُعد مسافة قليلة من الحضور كرئيس لنادي النصر وهو الأمر الذي ارتبط بالأمير الراحل عبد الرحمن بن سعود رمز النصر وعرابه الأول والذي وافته المنية قبل تمام هذا الأمر. وقبل الشباب والنصر، لم يكن خالد البلطان غريباً على الجانب الرياضي، فهو الداعم الأول لفريق مدينته «الرس» فريق الحزم الذي قاده بميزانية ضخمة نحو الصعود إلى الدوري السعودي للمحترفين للمرة الأولى في تاريخه وأسهم ببقائه كفريق فعال لمدة ستة مواسم. شخصية البلطان مثيرة للجدل حتى بين الشبابيين أنفسهم، تصاريح حادة وعمل يتجاوز واقعية الجدية المعتادة لنادٍ يصارع بين القطبين الأكبر في العاصمة مالياً وجماهيرياً «الهلال والنصر»، ما يجعل الخلاف حول جزء من عمله وليس كُل ما يقدمه فالشبابيون يعلمون قدرته على انتزاع صفقات مميزة من بين أقطاب الأندية الأكثر ملاءة مالية بحسب أحاديث البلطان الدائمة. تبوأ البلطان رئاسة نادي الشباب بصورة مستمرة حتى 2014 منذ قدومه الأول بالتكليف، ليبدأ في رحلة البناء الطويلة التي ما زالت مستمرة حتى الآن، والبناء ليس بشراء اللاعبين أو إنشاء الأكاديميات بل صناعة هوية مختلفة لفريق الشباب. وصناعة الهوية الحديثة للشباب هي ما زادت من الشعبية الجماهيرية لفريق الشباب الذي كان يتحدث البلطان لأكثر من مرة بأن الفريق ينمو مدرجه عاماً بعد آخر، وكان حديثه الأخير تأكيداً للمبدأ الذي عمل عليه؛ إذ أوضح للناقل التلفزيوني الرسمي للدوري السعودي قنوات «إس إس سي» بعد مواجهة الباطن بأنه كان يعد جماهير فريقه في سنوات حضوره الأولى وأنهم لا يجتازون المائة واليوم أصبحوا بالآلاف. التحول الذي صنعه البلطان في الشباب بدأ مبكراً من خلال رفضه لمبدأ بيع النجوم وأن الحفاظ عليهم هو الطريق للبطولات، إلا أن هذا الأمر ليس مبدأً دائماً لدى البلطان الذي يجيد التعامل مع أزماته المالية ببيع عقود بعض اللاعبين كما حدث مع النيجيري إيغالو الذي انتقل للهلال في شتوية الموسم الماضي وكان البلطان يؤكد أن هذه الصفقة عالجت الكثير من المشاكل للشباب. بدأ البلطان بصراعات أولاً مع النصر وتحديداً الأمير فيصل بن عبد الرحمن ثم الأمير فيصل بن تركي وكانت المرحلة الأكثر سخونة في التصاريح المتبادلة على عدة مواضيع كان أبرزها رغبة النصر بضم ثنائي الشباب الأبرز على الساحة حينها عبده وأحمد عطيف. لم يكن البلطان متجهاً بالخلاف مع نادٍ مُحدد ويشير دائماً إلى أنه يبحث للحفاظ على حقوق ناديه، إذ حدث بينه وبين الهلاليين مناوشات انتهت سريعاً ثم الأهلي الذي كان الفريق الأكثر حضوراً في ساحة البلطان الإعلامية بجوار النصر. وكان الخلاف مع أحمد عيد رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم في 2014 قد أسهم في إبعاد البلطان عن المشهد لمدة سنوات قليلة بعد أن تقدم باستقالته على خلفية قرار إيقافه، قبل عودته لمنصب رئاسة النادي بالتكليف من قبل تركي آل الشيخ رئيس الهيئة العامة للرياضة حينها. عاد البلطان لكرسي الرئاسة مجدداً وكان يميل للهدوء في بداية حضوره مبرراً ذلك بأنه يُجهز فريقه للفترة القادمة، إلا أنه لم يدع المناوشات جانباً وكان تصريحه الشهير بداية عودته للهوية التي عُرف بها، إذ تحدث لوسائل الإعلام بعد مواجهة الأهلي في 2019: «الله جاب لنا الأهلي عشان نفوز ونرجع من خلاله». بعد بيعه لعقود عدد من اللاعبين تباعاً بعد عودته الأخيرة لرئاسة النادي تعرض البلطان لهجوم من جانب الإعلام والجماهير التي طالبت بأن يحافظ الشباب على هذه الأسماء وهو الأمر الذي يشاطرهم فيه البلطان إلا أن هناك ظروفاً لا يستطيع التحكم بها كالأمور المالية كما حدث في صفقة إيغالو الذي بات هدافاً للدوري السعودي مع فريقه الهلال ورغبة اللاعبين كما حدث في صفقتي الحمدان للهلال وأحمد شراحيلي للاتحاد. في المؤتمر الصحافي الذي عقده البلطان في يناير (كانون الثاني) الماضي قال: «لن أترك الشباب للمجهول» موضحاً أنه يفتقد لوجود الداعمين، وقال بصورة محددة: «أعطوني ربع دعم الوليد بن طلال للهلال». مضت تلك الأحاديث وسط امتعاض مستمر من الجماهير عما سيفعله البلطان في القادم من الأيام. وخلال فترة الانتقالات الصيفية الحالية كان الشباب فارساً لا يشق له غبار؛ إذ جذب العديد من الأسماء الرنانة كان الأبرز والأغلى قيمة سوقية من بينهم المهاجم الإسباني سانتي مينا والبولندي الدولي كريتشوفياك والغابوني آرون بوبيندزا بالإضافة لعودة جوانكا والتعاقد مع الدولي الكوري الجنوبي كيم حارس المرمى. صخب الصفقات الذي أتمه البلطان خلال الصيف لم يكن لكنز عظيم اكتشفه النادي بحسب حديثه الأخير للناقل الرسمي بل هو «حسن تدبير وبأقل التكاليف المادية» بحسب رئيس النادي العاصمي الذي صنع فريقاً بهوية مختلفة وبات مرشحاً للظفر بلقب الدوري والمنافسة بجدية على بطولة دوري أبطال آسيا.
مشاركة :