الأزمات الاقتصادية تثقل كاهل دول أمريكا اللاتينية

  • 1/3/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أدى تفاقم الأزمات الاقتصادية في دول أمريكا اللاتينية إلى إثارة موجة من السخط الشعبي العام، وهو الأمر الذي قاد في النهاية إلى فوز المعارضة اليمينية في عدد من الانتخابات البارزة التي أجريت في الأرجنتين وفنزويلا، فضلا عن اتخاذ إجراءات اتهام بالتقصير ضد الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف. وبحسب "الألمانية"، فقد مرت فترة طويلة على سطوع نجم لويز آناسيو لولا داسيلفا فى سماء العالم، وظهور هوجو شافيز بقسمات وجهه القاسية وأسلوب خطابه المناهض للرأسمالية، وتبني نيستور كيرشنر الخط الأمريكي باستضافته قمة قضت على خطط إقامة منطقة تجارة حرة للأمريكتين. وقد تغيرت الأحوال والظروف منذ ذلك الوقت، حيث شهد عام 2015 تراجعا واضحا لليسار فى أمريكا اللاتينية، حيث أسفرت الانتخابات التشريعية في فنزويلا عن نتيجة مؤلمة لليسار بهزيمة نيكولاس مادورو الذي اختاره هوجو شافيز لخلافته في المنصب، وفي الأرجنتين خرج البيرونيون ذوو الميول اليسارية من السلطة تحت وطأة اقتصاد تسوده حالة من الفوضى، فيما تواجه ديلما روسيف خليفة لولا داسيلفا اتهامات بالتقصير في البرازيل وفي الخلفية فضيحة فساد عارمة في شركة النفط الوطنية "بتروبراس". ويعتقد كثير من الخبراء أن أي ربط في هذا الشأن ربما يكون عرضيا، ويستبعد مايكل شيفتر، من معهد "حوار الأمريكتين" ومقره واشنطن، وجود تحول أيديولوجي باتجاه اليمين، مضيفاً أن "انتهاء فترة الازدهار الاقتصادي السلعي، وظهور فضائح الفساد تسببا في تآكل شعبية الحكومات من مختلف الأطياف الأيديولوجية، بداية من الحزب الثوري المؤسسي في المكسيك وانتهاء بحزب العمال في البرازيل". إذن هل هناك صلة لهذا الوضع بغياب القيادة القوية؟ لقد كان رئيس البرازيل السابق لولا داسيلفا "2011-2003" أكثر شعبية وقوة من ديلما روسيف، كما أن مادورو يكافح من أجل ملء الفراغ الذي خلفه شافيز "2013-1999" بعد وفاته متأثرا بمرض السرطان عام 2013. ولا يبدو أن الأمور تسير على صراط مستقيم، إذ يعتقد شيفتر أن غياب القيادة القوية لا يمثل كثيرا السبب وراء هذا التحول، بل يعود ذلك إلى عواقب المشكلات الاقتصادية والسياسية، لقد أصبح من الصعب أن تحكم هذه الأيام. ومضى شيفتر قائلا "على الأقل فإن جزءًا من شعبية رؤساء مثل لولا في البرازيل وشافيز في فنزويلا يرجع إلى أنهم تولوا الحكم في أوقات شهدت نموا اقتصاديا مطردا، يغذيه ارتفاع أسعار السلع وتزايد الطلب، الأمر الذي أتاح الفرصة للتوسع في البرامج الاجتماعية، وبهذا قاد هؤلاء الرؤساء موجات اقتصادية مواتية وحققوا من ورائها منافع سياسية". وأشار شيفتر إلى أن الاتجاه الحالي ليس مواتيا حاليا، حيث توقع صندوق النقد الدولي تراجع النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي لأمريكا اللاتينية للعام الخامس على التوالي، ليتحول إلى نمو سلبي بشكل طفيف في 2015، قبل أن ينتعش بصورة متواضعة في 2016. وتوقع صندوق النقد الدولي في تقرير اقتصادي إقليمي استشرافي أصدره في تشرين الأول (أكتوبر) تراجع احتمالات تحسن الإنتاجية مع بقاء أسعار السلع الأساسية عند مستوى متدن في المستقبل المنظور، وتراجع فرص الاستثمار بشكل كبير. وأدت الأزمات السياسية الحالية في دول مثل البرازيل وفنزويلا والمصاعب الاقتصادية المزمنة- مع الأخذ في الاعتبار معدلات التضخم العالية في فنزويلا والأرجنتين- إلى زيادة الأمور سوءا حيث تسببت في تقويض الثقة باقتصاديات هذه الدول. ومع ذلك، فإنه في الوقت الذي يتسم فيه كثير من مشكلات دول أمريكا اللاتينية بسهولة تحديدها، إلا أنه من الصعوبة بمكان إيجاد الحلول لها بيسر، ومع توقعات بقاء أسعار السلع عند مستواها المتدني لعدة سنوات، فإنه ليس من المحتمل أن يؤدي تحول سياسي إلى اليمين، إلى نوع من النمو الذي يتطلع إليه الناخبون في المنطقة. ودعا صندوق النقد الدولي إلى إجراء تغيير في السياسات، بما في ذلك السيطرة على أسعار صرف العملات في الأرجنتين وفنزويلا، وطلب من البرازيل تعزيز سياستها المالية وتطبيق سياسة التقشف النقدي، ضمن أمور أخرى. ولا يزال يتعين معرفة ما إذا كانت الوصفات المحافظة قابلة للبقاء والصمود في أمريكا اللاتينية اليوم، حتى في ظل حكومات تنتمي إلى يمين الوسط مثل حكومة رئيس الأرجنتين الجديد ماوريشيو ماكري. وحذر شيفتر من أنه ليس من المحتمل العودة المفاجئة إلى سياسات تقوم فقط على أساس السوق، لأن ذلك سيؤثر سلبا في الاستقرار الاجتماعي بل في الحكم. ونشرت مجلة الإيكونومست تقريرا في عددها الصادر في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي جاء فيه "إنه ليس من المحتمل أن تعود أمريكا اللاتينية إلى الماضي، لقد وضع اليسار قضية عدم المساواة على الأجندة الإقليمية، وإنه موجود هناك ليبقى". وأشارت المجلة البريطانية المعنية بالشأن الاقتصادي، إلى أن هناك قضايا أخرى ملحة بنفس القدر حاليا وهي، العودة إلى تحقيق النمو الاقتصادي، والحكم النظيف ومعالجة جريمة العنف، مؤكدة أن لدى يمين الوسط فرصة للعودة إلى سدة الحكم من خلال الاعتماد على إخفاق اليسار في إنجاز هذه القضايا. وبحسب محللين فإن قادة أمريكا اللاتينية، حتى أولئك الذين يقفون على يمين الطيف الأيديولوجي سيحتاجون إلى السير على خيط رفيع بين توقعات الناخبين التي تسببت فيها سنوات من النمو الاقتصادي المطرد وإعادة توزيع الدخل النسبي وإدراك حقيقة أن مثل هذا النمو قد ولى منذ فترة طويلة، وليس من المحتمل أن يعود في وقت قريب. ويبدو أن ماكري كان يدرك حجم الأعباء الملقاة على عاتقه، وهو يحتفل بليلة الانتخابات عندما قال "إنني هنا من أجلكم جميعا، لذا فإننى أطلب منكم عدم التخلي عني". لذا، فإنه في الوقت الذي يمكن أن تحدث انتخابات هذا العام وفي المستقبل حقا تغييرا سياسيا مع تعبير الناخبين عن سخطهم، إلا أنه ليس من المحتمل أن يشهد السيناريو الاقتصادي في أمريكا اللاتينية تغيرات ملحوظة، وربما لا تكون تلك أخبارا سارة بالنسبة إلى كثيرين فى المنطقة.

مشاركة :