أكد عدد من المثقفين أن هناك أسبابا كثيرة لإعادة قراءة الكتب التي سبق لهم قراءتها من قبل، منها أن يكون قد قرأ الكتاب في عمر صغير ويرغب في إعادة قراءته بعد أن نضج فكره، كما قد يعود ذلك إلى اللغة الأدبية الساحرة للكتاب، أو للبحث عن مواضيع معينة يطرحها الكتاب، أو لاسترجاع إحساس ربما انتابنا ونحن نقرأ كتابا معينا للمرة الأولى، وأشاروا إلى أن الكتاب يستمد قوته وتأصله في نفوس القراء من خلال الزاوية التي يطل منها الكاتب على عوالم الفكرة وعمقها ليجذرها - إقناعا وتفاعلا - في أرضية العقل والنفس معا.صراع جدلييقول الكاتب والقاص عادل جاد: أعيد قراءة كتاب قرأته من قبل أحيانا عندما تسيطر عليَّ فكرة الكتاب، وأحس بحاجتي إلى عمل صراع جدلي مع أفكار الكتاب، مثل كتاب «تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي» تأليف د. يمني العيد، وأهمية الكتاب تكمن في المزج بين النظرية والتطبيق على النصوص بتفكيك النص لكشف خباياه وانسجام عناصره، وأيضا عندما تأسرني العوالم السحرية للكتاب، مثل رواية «مائة عام من العزلة» للكاتب جارسيا ماركيز، وقد قرأتها وأنا شاب صغير وقبل حصول ماركيز على جائزة نوبل، وسحرتني تلك العوالم الواقعية الممتزجة بالغرائبية، مُشكِّلة نسيجا سرديا فريدا، وأعدت قراءتها وأحسست كأني أقرؤها أول مرة وأستمتع بهذه المخيلة المتجددة.النضج العمري فيما تقول القاصة إشراق النهدي: أحيانا أعيد قراءة الكتب المقروءة سابقا، وأحيانا أحتاج إلى القراءة مرات مدفوعة إلى المناقشة من أجل فعاليات قراءة في كتب، وأحيانا النضج العمري يدفعني إلى قراءة كتب ربما قرأتها في الطفولة لأعيد فهمها بمفهوم جديد مختلف، وأيضا للبحث عن مواضيع سردية معينة قد يتناولها كتاب ما، ومرات لاسترجاع إحساس ربما انتابنا ونحن نقرأ كتابا معينا، نعيد القراءة للبحث وللإعادة، ومرات لاسترجاع معلومة أو ضمن جلسات قراءة.قدرة الكاتبأما القاصة والروائية ليندة كامل فتتحدث قائلة: ليس كل كتاب يستحق إعادة القراءة، الكتب مثل البشر؛ بعضها يستحق المرور بجانبه، والبعض يستحق الوقوف على أجزائه، والآخر يستحق التعمق، وهناك كتاب يستحق العودة إليه، غالبا لا أحب إعادة قراءة كتاب قرأته، لأن ما قرأته قد سكنني وتشبعت منه فأنا من الناس الذين يقرؤون بتمعن شديد، ولكن العودة إلى ما قرأته لها دوافعها، منها جودة الفكرة، وطريقة نقلها للقارئ الحصيف، سواء كان الكتاب أدبيا أو فلسفيا أو علميا.وأضافت: في الأدب أرجع الفكرة إلى قدرة الكاتب على الإبداع في صناعة عمل مختلف، واستعماله اللغة التي تجعلني أسيرة لها، بالإضافة إلى عنصري التشويق والغموض الذي يدفعني للفضول، وطرح الأسئلة والبحث عن الإجابات، وأذكر المجموعة القصصية للأديب نجيب محفوظ «الجريمة» التي أعدت قراءتها أكثر من 5 مرات، وكتاب «فن اللامبالاة» الذي أسرني بفكرته المتجددة، فأظهر الكاتب فيه إبداعا متميزا، ليس من السهل أن تقع في كتاب يدفعك إلى العودة إليه في الوقت الذي أصبح الكتاب صناعة وسلعة وتجارة، وتنافسا بمعايير معينة بعيدا عن الجودة الحقة، هناك كتب أدبية نالت حظها من الشهرة، لكنك تعاني حين تقرأه وتسعى جاهدا إلى إنهائه، وهناك كتب من كثرة الإبداع والفن واستعمال تقنيات أدبية عالية بالإضافة إلى الموهبة التي تظهر على صاحبه، لأنه يحدث عمقك ويحرك فكرك ويجعل ذهنك مرتبطا به حتى النهاية دون الشعور بالملل، بل تتمنى ألا ينتهي ويحملك الشوق لإعادته لمتعة الفكرة، والتشويق قبل كل شيء.الأسلوب الكتابيفيما ذكر الشاعر ناصر زين أن الكتاب الذي يتملكك فكرا وأسلوبا وموضوعا وتناولا، لا شك أنك تعيد قراءته مرة أو مرتين وربما أكثر، وتابع: الكتاب - أي كتاب - إنما يستمد قوته وتأصله في نفوس القراء من خلال الزاوية التي يطل منها الكاتب على عوالم الفكرة وعمقها ليجذرها - إقناعا وتفاعلا - في أرضية العقل والنفس معا.وأضاف: ربما أنا شخصيا يشدني الأسلوب الكتابي ولغته، لأي كتاب فضلا عن موضوع الكتاب ذاته، سواء كان أدبيا أو بحثيا أو علميا فكريا أو تاريخيا أو حتى روائيا أو قصصيا، وباعتباري شاعرا أميل كثيرا إلى الكتب الأدبية والشعرية، ويبقى الفيصل لديَّ فكرة الكتاب وموضوعه وأسلوبه ولغته.المدارك العلميةويؤكد القاص عبدالله الرستم أن الكتاب ومضمونه هو ما يحدد ما إذا كان صالحا للقراءة مرة أخرى أم لا، فبعض الكتب تفقد متعتها من أول مرة، ولا تعود له إلا من باب التدارس والمناقشة كالقصة والرواية، أما بقية الكتب ذات الطابع المنهجي والعلمي ككتب السيرة والصحة وبعض المجالات الأخرى، فهي محل قراءة على مدار الحياة ولا يمكن الاستغناء عنها.وتابع: أما لماذا أعود إلى قراءة كتاب سبق لي قراءته فذلك يعود إلى عدة أسباب؛ إما لزيادة التحصيل العلمي أو لإعادة قراءة ما بين السطور بحكم التجلي الذي يظهر لاحقا للقارئ بعد توسع مداركه العلمية واللغوية، وربما لبعض الكتب جاذبية خلاقة تدعوك إلى قراءته مرة ومرتين، وهذا يعود إلى براعة أسلوب الكاتب وجمال أسلوبه وبيانه، فأنا على سبيل المثال أستمتع بالأعمال الكاملة للكاتبين العملاقين مصطفى لطفي المنفلوطي، وجبران خليل جبران، وأعاود قراءة أعمالهما بين الحين والآخر دون أن يتسرب الملل إلى نفسي، وسبق لي قراءة كتب السيرة والتاريخ لذات الكاتب من باب الاستذكار والتحصيل.جاد: سحرتني العوالم الواقعية الممتزجة بالغرائبية في «مائة عام من العزلة»إشراق: النضج العمري يدفعني إلى كتب أعيد فهمها بمفهوم جديدليندة: أعود إلى ما قرأته أحيانا لجودة الفكرة وطريقة نقلها للمتلقي الحصيفزين: أعود إلى الكتاب الذي يتملكني فكرا وأسلوبا وموضوعا وتناولاالرستم: الكتب ذات الطابع المنهجي والعلمي محل قراءة على مدار الحياة أخبار متعلقةمواقع التواصل فتحت الآفاق وأسهمت في تسويق المنتجات الإبداعية«تكريم المثقفين» يتوج إنجازاتهم الإبداعية
مشاركة :