نجحت المفوضية الأوروبية في وضع استراتيجية طموحة للتحول الأخضر والرقمي لاقتصاد الاتحاد الأوروبي، وذلك من خلال إرسال إشارة مهمة إلى بقية دول العالم. لكن غياب سوق رأس المال التنافسية يهدد الأهداف المناخية الطموحة التي يسعى الأوروبيون إلى تحقيقها. هناك حاجة إلى تنفيذ استثمارات ضخمة في هذا العقد من أجل تحويل الطاقة والنقل، وقطاعات ضخمة من الصناعة، وملايين العقارات، فضلا عن حماية شعوب أوروبا من الآثار المدمرة الناجمة عن تغير المناخ، التي كانت واضحة للغاية في الصيفين الماضيين. لن يتسنى تحقيق هذه الأهداف إلا إذا عملت الحكومات مع بنوك القطاعين العام والخاص لإشراك المستثمرين من القطاع الخاص عبر الحدود. كما يتعين على أوروبا سد فجوة تمويل العمل المناخي التي تبلغ 350 مليار يورو "401 مليار دولار" سنويا على مدى الأعوام العشرة المقبلة على الأقل. ربما اعتدنا على قيام الحكومات والبنوك المركزية بتوفير مبالغ ضخمة من المال لدعم الاقتصاد، لكن هذا لن يدوم إلى الأبد. ولن تظل أسعار الفائدة منخفضة للغاية على المدى الطويل، وستصل الديون السيادية إلى حدودها، ولن تكون الضرائب المرتفعة كافية لتمويل هذا التحول الذي قد يحدث مرة واحدة في كل قرن من الزمان. ومع ذلك، يمتلك الاتحاد الأوروبي بالفعل الأداة التي يحتاج إليها لسد هذه الفجوة، إنه في حاجة فقط إلى صنع أسواق رأس مال حقيقية واتحاد مصرفي. بوسعنا أن نرى ما يمكن تحقيقه من خلال القواعد المشتركة إذا تطلعنا إلى تحقيق التمويل المستدام. ومع إصدار أول سند أخضر، قدم بنك الاستثمار الأوروبي EIB قوة دفع مهمة لسوق السندات الخضراء وسندات الاستدامة. وقد أسفر ذلك عن فهم السوق الموحدة لما يشكل سندا أخضر أو مستداما. علاوة على ذلك، ومع تصنيف الاتحاد الأوروبي، توجد الآن معايير شفافة لتحديد الأنشطة الاقتصادية الخضراء بالفعل، أو التي من الممكن أن تتطور في هذا الاتجاه. ولدى المستثمرين مجموعة واضحة من القواعد التي يتعين استخدامها كدليل للتمويل المستدام. تمثل هذه الشفافية على مستوى الاتحاد الأوروبي خطوة ضخمة إلى الأمام، ما يؤدي إلى تحويل فكرة كانت موضع سخرية ذات يوم إلى سوق تبلغ قيمتها تريليون يورو. وفي ظل اتحاد حقيقي لأسواق رأس المال، سيعمل الاتحاد الأوروبي على توسيع فرص التمويل للشركات وجذب رؤوس الأموال من مختلف أنحاء العالم، وقد يصبح اليورو منافسا حقيقيا للدولار. ففي الوقت الحالي، تعتمد الشركات الأوروبية بشكل كبير على القروض، حيث توفر بنوك القطاع الخاص مثل البنك الألماني 80 في المائة من تمويل الشركات. على الرغم من أن البنوك ستقدم مساهمة حيوية في التحول الأخضر والرقمي للقطاع الخاص، إلا أنها لا تستطيع تحمل متطلبات التمويل الضخمة وحدها. ففي حين تحصل 60 في المائة من الشركات الأمريكية على التمويل من سوق رأس المال، فإن 20 في المائة فقط من الشركات الأوروبية تحذو حذوها. إذا كان بوسع مزيد من الشركات الأوروبية القيام بذلك، فسيتم توفير مبالغ ضخمة للاستثمار. لن تضطر الشركات الناشئة الأوروبية إلى البحث عن مستثمرين أمريكيين خلال مرحلة نموها. ولن تحتاج الشركات الرائدة الأوروبية، مثل شركة بيونتيك الألمانية " التي تلقت تمويلا أوليا من بنك الاستثمار الأوروبي"، إلى اللجوء لمؤشر "ناسداك" عندما تدخل احتياجاتها التمويلية في نطاق مئات الملايين من الدولارات. إذا كان اعتقاد جان مونيه بشأن الاتحاد الأوروبي صحيحا، فستكون أزمة المناخ الخطوة التالية نحو تعميق التكامل. لن يتسنى للتحول الأخضر والرقمي الأوروبي أن ينجح إلا إذا سار جنبا إلى جنب مع إكمال السوق الموحدة، بما في ذلك أسواق رأس المال والاتحاد المصرفي. خاص بـ"الاقتصادية" بروجيكت سنديكت، 2022.
مشاركة :