الحس الدرامي لكتّاب وكاتبات القصة القصيرة في بلادنا يتيح لهم جميعا الغوص في تفاصيل الفضاء المجتمعي وما يدور فيه من أحداث، بل هو في حالة تماس مع مناخات وترميزات الحراك المعيوش وتجسيم الصورة، وملاحقة ملامحها لتقديمها على جمر الحقيقة المتقد، وتكثيف المخيال والإحالات وإماطة اللثام عن مكنونات الواقع، والنفاذ إلى أعماق الشخوص واستبطان أدق ما يعتمل في دواخلهم، وكشف المسكوت عنه بكل تأزماته وتشابكاته وسياقاته الاجتماعية، من خلال الانتقاء والاستقصاء وقيام علاقات متواشجة بين الرجل والمرأة المتصادة حينا والمنسجمة في أحيان أخرى، وقد التقطت الباحثة "منال بنت عبدالعزيز العيسى" هذا المشهد والصورة، والتسلل إلى ما دونه السرد السيري في القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية، في مرحلة زمنية قصيرة لا تتجاوز الثلاثين عاما تقريبا، وقد اعترضت الباحثة كثيرا من الصعوبات، حيث إن أغلب الدراسات التنظيرية حول التقنيات ركزت على الرواية، سواء أكان ذلك في اللغة أو الشخصية أو المكان أو البيئة، اتبعت الباحثة في دراستها المنهج "الموضوعاتي" الذي ينفتح على المناهج النفسية والاجتماعية. ويهتم هذا الجانب في أساسه كما تقول الباحثة بدراسة الجانب الدلالي في العمل الإبداعي، وفيه يسمح للناقد بالاستعانة بقوته الحدسية ورؤيته الخاصة، في فهم وتفسير النصوص الإبداعية بغية الوصول إلى تصنيف صورة الرجل "السلوكية، السيكولوجية" وقد استبعدت منال العيسى عددا من الصور التي تحمل في بعضها طابعا فرديا، لم يستطع أن يشكل نمطا : الجد، المزارع، السارق، الطبيب، السائق، وقد حددت المداخل السلوكية للرجل "المضطهد بكسر الهاء، والمضطهد بفتح الهاء، العابث، الأناني، المهمل، الضعيف الشخصية، المثالي"، وفي المدخل السيكولوجي "الشعور بالغربة، الشعور بالصراع، البحث عن الحرية، ازدواج الشخصية"، وقد أوردت نماذج من خلال دراستها للقصة القصيرة في المملكة، تحكي الارتباط بين الصورة والقيم ومنها: صورة الأخ فتسلطه داخل الأسرة مدعوم من قبل المرأة "الأم ، الجدة" التي تأثرت بقيم المجتمع الخاصة وتدعيمها للسلطة الذكورية، صورة الزوج الذي يرفض الدخول على زوجته في فترة "النفاس"، صورة الحبيب الذي لا يستطيع الزواج من محبوبته بسبب العادات والتقاليد ذات الطابع القبلي، وهذه الصورة تبرز بوضوح كخصوصية للمجتمع السعودي، منع سفر المرأة بدون محرم وقد ظهرت في قصة واحدة، لكنها شكلت أهمية خاصة نظرا لما تشير إليه من ارتباط بصورة الرجل، كما ظهر عدد من الصور للرجل الذي بدا فيها قاتلا لوالدته أو والده، صورة الرجل الذي يمارس كافة أنواع القسوة اللفظية والفعلية مع زوجته إذا عصت له أمرا أو خالفته في رأي، صورة الرجل الذي يعاني الصراع بسبب المفارقة الحضارية لانتقاله من القرية إلى المدينة، صورة الرجل المستغل لمال ابنته أو زوجته، صورة الرجل العابث خارج حدود الوطن.