بعد توقف دام لأربع سنوات، عقدت «الهيئة الفنية المشتركة لمياه النيل» بين مصر والسودان، اجتماعاتها بالعاصمة السودانية الخرطوم، في وقت تشهد فيه مفاوضات «سد النهضة» الإثيوبي، حالة جمود. وتتنازع إثيوبيا مع كل من مصر والسودان (دولتي المصب)، بسبب «سد النهضة» الذي تبنيه منذ 2011، وتقول القاهرة إنه يهدد «حقوقها» في مياه النهر الدولي، مطالبة بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم قواعد الملء والتشغيل مسبقاً. فيما تتحسب الخرطوم لأضرار بيئية واقتصادية جراء السد. ولمصر حصة مائية تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب، تصفها بـ«التاريخية»، فيما تنظر إليها إثيوبيا على أنها «اقتسام غير عادل لموارد النهر». ويستند الرفض الإثيوبي إلى أن مصر حصلت على تلك الحصة بموجب اتفاقيات عُقدت في عصر الاستعمار لا تعترف بها. وانطلقت في العاصمة السودانية اجتماعات دورية للهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل في دورتها الثانية والستين، وذلك خلال الفترة من 9 إلى 12 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بعد توقف دام لأربع سنوات، بحضور حسام عيسى سفير مصر لدى السودان، وضو البيت عبد الرحمن منصور وزير الري والموارد المائية المكلف بدولة السودان، وأعضاء الهيئة من الجانبين المصري والسوداني. وشدد رئيس الجانب المصري في الهيئة عارف عبد المبدي، خلال كلمته الافتتاحية، على «احترام مصر لاتفاقية الانتفاع الكامل بمياه نهر النيل مع السودان لعام 1959». وعدّها، حسب بيان لوزارة الموارد المائية المصرية، الاثنين، «دستوراً لأعمال الهيئة»، مؤكداً «أهمية تمسك الدولتين بما نصت عليه الاتفاقية من ضرورة التنسيق في المواقف بين البلدين تجاه المشروعات التنموية المزمع إنشاؤها بدول حوض النيل خارج حدود الدولتين». وتعد اتفاقية 1929، الموقعة بين مصر والسودان، عقب استقلال الأخير عن بريطانيا، من أكثر المسائل الجدلية بين دول حوض النيل. وفيها تم توزيع حصص المياه بين البلدين والبالغة 84 مليار متر مكعب تخصص منها 55 ملياراً و500 مليون متر مكعب لمصر، و18 ملياراً و500 مليون متر مكعب للسودان، لكن دول المنبع الثماني رفضت الاتفاقية وعدتها «غير عادلة». وجاءت الاتفاقية مكملة لاتفاقية سابقة بين البلدين عام 1929، إبان الاحتلال البريطاني، تشمل بنداً يقضي بـ«ألا تقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية أعمال ري أو توليد قوى أو أي إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التي تنبع، سواء من السودان أو البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها إنقاص مقدار المياه الذي يصل لمصر». وتطالب القاهرة، أديس أبابا، بالاعتراف بالاتفاقيات السابقة لتوزيع حصص المياه، بالإضافة إلى اتفاقية 1902 (بين إثيوبيا وبريطانيا)، الأمر الذي ترفضه الأخيرة، بداعي «عدم الاعتراف بأي اتفاقات أبرمها الاحتلال البريطاني». وأشار رئيس الجانب المصري في الهيئة، إلى «أهمية استمرار أعمال تطوير أنشطة الهيئة وبناء القدرات وتدعيم الجانب المؤسسي بما يخدم مصالح الدولتين، وكذلك أهمية تبادل الخبرات والتنسيق والتعاون مع مراكز الأبحاث والدراسات الدولية العاملة في مجال المياه العابرة للحدود». الطرح السوداني داخل الهيئة المشتركة لم يتحدث علانية عن اتفاقية 1959، لكنه دعا في المقابل إلى تفعيل علاقات مع دول حوض النيل عبر تنفيذ مشروعات مشتركة. وقال مصطفى حسين رئيس الجانب السوداني في الهيئة، إن الاجتماعات الدورية تأتي لإحياء أنشطة الهيئة فيما ينفع البلدين ويحقق تعزيز التعاون المشترك لما فيه مصلحة البلدين، مشدداً على «أهمية تفعيل العلاقات مع دول حوض النيل، خصوصاً دولة جنوب السودان، وأهمية العمل على تنفيذ مشروعات على الأرض تسهم في معالجة مشكلات الفيضانات وإزالة الحشائش وتحسين الملاحة». وتتفق مصر والسودان على ضرورة التوافق مسبقاً مع إثيوبيا على قواعد تشغيل وملء «سد النهضة» بما يحد من الأضرار المتوقعة. من جهة أخرى، أشار وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، الاثنين، خلال افتتاح البرنامج التدريبي في مجال «نظم الري الحديث»، الذي ينظمه المركز الإقليمي للتدريب التابع للوزارة، بمشاركة 25 متدرباً من 15 دولة أفريقية، إلى «ما تبذله مصر من مجهودات لتحقيق الإدارة المثلى للمياه والاستفادة من كل قطرة مياه في ظل محدودية الموارد المائية»، منوهاً إلى أن «97 في المائة من المياه في مصر تأتي من خارج الحدود». وأكد سويلم تعليقاً على التدريب، «ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأفريقية لمجابهة التحديات المائية، خصوصاً في ظل التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية»، مشيراً لأهمية تعزيز عملية إدارة الموارد المائية وجذب المزيد من الاهتمام وتوفير التمويل اللازم لمواجهة التحديات التي يواجهها قطاع المياه بالدول الأفريقية».
مشاركة :