الإمارات وروسيا.. علاقات ثقافية راسخة

  • 10/12/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تأتي زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى جمهورية روسيا الاتحادية، وفي هذا التوقيت المهم، لتؤكد أن الأمم والشعوب حول الكرة الأرضية، لا طريق أمامها سوى السلام والتعايش الإنساني المشترك، وفتح مسارات التعاون الدولي في المجالات كافة، لاسيما إذا كان بين دول لها جذورها الثقافية والحضارية الراسخة، وتعرف أهمية الدور الذي تضطلع به العلاقات الفكرية والثقافية والقيمية، إلى جانب متانة العلاقات السياسية والاقتصادية. شراكة ثقافية والعلاقات الروسية الإماراتية قديمة وذات جذور راسخة، وهي سابقة زمناً على نشوئها وتوثيقها بصورة رسمية بعد قيام دولة الإمارات عام 1971، ذلك أن صحراء الإمارات أغرت منذ قرون طوال الرحالة والمستكشفين الروس لزيارتها، والتعرف على معينها الحضاري العريق، كما كانت روسيا أيضاً قبلة للإماراتيين من أزمنة بعيدة لمعرفتهم بأهمية هذه الدولة الإمبراطورية وثراء تاريخها ثقافياً وحضارياً. التسامح وقبول الآخر وتجمع روسيا والإمارات علاقات ثقافية متنامية وواعدة، تشمل الفن والأدب والموسيقى، والترجمة والرحلات، وصناعة المعارض بأنواعها وأشكالها، وهذا جميعه ضمن إطار واحد من نهج التسامح وقبول الآخر ضمن قيم ومشتركات الإنسانية المتعددة عرقياً وعقدياً، اجتماعياً ومعرفياً. وحين يتحدث المرء عن الخلفية الحضارية والثقافية لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإنه يجد نفسه في مواجهة حديث خلاق عن حضارة منفتحة وذات علاقات راسخة في البر والبحر والصحراء، هنا حيث التقت شعوب وأمم وثقافات في الماضي ضمن أطر التبادل التجاري، والتعارف والتعاون الثقافي في أرقى صورهما. حضارة إنسانية واليوم وبعد خمسين عاماً من قيام الاتحاد، باتت الدولة، قبلة ونموذجاً دولياً رائداً في التعايش والتسامح ويكفي المرء، في هذا المقام، أن يعلم أن نحو مائتي جنسية تعيش على أرض الإمارات، في تناغم حضاري وثقافي قل أن يوجد في أي بقعة أو رقعة أخرى من العالم. وفي الوقت نفسه، يصعب على المرء أيضاً أن يحيط في سطور معدودات بعوالم الثقافة الروسية، ومن أين يمكن للمرء أن يبدأ حديثه، هل من عظماء الأدب الروسي، مثل تولستوي وتشيخوف ودويستوسكي، أم من عظماء النحاتين والرسامين، أم من تاريخ القياصرة ومتاحفهم كالأرميتاج الذي يعد معلماً فريداً وسجل حضارة إنسانية قائم بذاته. التبادل الثقافي والفكري ويكفي الباحث عن العلاقات الثقافية الروسية - الإماراتية العودة إلى الوراء، إلى نحو ثلاث سنوات فقط، أي عام 2019، وقبل أن تضرب جائحة «كوفيد- 19» الكرة الأرضية. فقد كانت الإمارات، ممثلة في إمارة الشارقة، حاضرة في معرض الكتاب الروسي السنوي، وكان المعرض بمثابة جسر وقنطرة بين الثقافة العربية الإماراتية والثقافة الروسية، فمن خلال مخرجات حركة النشر المحلية، بزغت داخل روسيا من جديد الأمجاد الحضارية العربية، عبر الكتب والمؤلفات، والروايات والترجمات، التي زخرت بها أجنحة المعرض. كما كانت روسيا بدورها أيضاً ضيف معرض أبوظبي الدولي للكتاب، الذي جاء زاخراً بالكثير من الفعاليات الفنية والموسيقية والمسرحية، ما ضاعف فائدة التبادل الثقافي والفكري المشترك بين البلدين. أخبار ذات صلة الإمارات: عمل مشترك لعالمٍ خالٍ من الأسلحة النووية الإمارات: ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل يعزز الازدهار ثراء التجربة الإماراتية ويصعب على المرء أن يُجمِل العلاقات الثقافية الإماراتية الروسية في الحديث فقط عن معارض الكتب، لاسيما أن هناك جالية روسية كبيرة تعيش على أرض الإمارات، ومنها العديد من المسلمين، وكذلك من المسيحيين الأرثوذكس. وهنا تبدو أهمية وثراء التجربة الإماراتية ثقافياً، وروحياً، إذ يجد المسلمون مساجد واسعة رحبه لأداء صلواتهم، وباحترام كامل، أما عن المسيحيين الأرثوذكس الروس ومن بقية الجمهوريات المجاورة، فهؤلاء لهم قصة أخرى تدلل على عمق روح التسامح في الثقافة الإماراتية، ففي عام 2005 اتخذ قرار ببناء كنيسة للروس الشرقيين الأرثوذكس، وقد عرفت باسم كنيسة القديس فيليب، وتم تخصيص قطعة أرض لها بقرار من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، عام 2007. ولعل من حسن الحظ أن المسؤول الديني الروسي الذي تابع بناء هذه الكنيسة هو بطريرك روسيا الحالي كيريل، وقد كان وقتها أسقف كرسي سمولينسك وكالينغراد. نظرة إيجابية وقد تركت تجربة بناء الكنيسة أثراً ثقافياً وإنسانياً إيجابياً عند الروس، فمن جهة عرف الشعب الروسي داخل بلاده حقيقة سردية التسامح والتصالح والأخوة الإنسانية التي تدعو إليها الإمارات، التي يواكب فيها الفعلُ القولَ، الأمر الذي عزز النظرة الروسية الإيجابية للإمارات حكومة وشعباً، نخباً وعامة، مثقفين ومفكرين، وترك عند صانع القرار الروسي، صورة صادقة وإيجابية تجاه قيادة الإمارات. وعلى جانب آخر، شعر الروس الذين يقيمون على الأراضي الإماراتية، أيضاً برحابة الكرم والشهامة، والتسامح والتصالح الإماراتيين، الأمر الذي رسخ مثالاً خلاقاً للإسلام المعتدل الذي يقبل الآخر، من دون أي صور نمطية، طائفية أو عرقية. رسالة سلام وتعايش ولأن الإمارات دولة ذات رسالة راسخة في التسامح والأخوة الإنسانية، لذا فإن عيون وعقول العالم كله اليوم تتابع زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ولقاءاته مع القيادة في روسيا، والجميع يحدوه الأمل أن يتحقق السلام والوئام وطي صفحة الصراع الراهن مع أوكرانيا. والكل يعرف أن رسالة الإمارات في العالم رسالة سلام وتعاون وتفاهم وتسامح وتعزيز لقيم وروح المشتركات الإنسانية في كل مكان. مراكز ثقافية وعلمية في سياق العلاقات الروسية - الإماراتية، يمكن للمتابع أن يتوقف باهتمام عند مراكز الثقافة الروسية المنتشرة في إمارات الدولة، ولاسيما في أبوظبي ودبي، والتي باتت جسور صداقة مزدوجة، فمن خلالها يتعرف المواطنون الإماراتيون على طقوس وعادات وثقافة وحياة الجانب الروسي، وهناك فرصة أيضاً لتعلم اللغة الروسية. وبالقدر نفسه تلعب تلك المراكز أيضاً دوراً ثقافياً مهماً وحيوياً في تعليم الروس اللغة العربية وآدابها، ما يعني سهولة التواصل اللساني والإنساني بين الشعبين. وهذه المراكز بدورها، تتيح فرصاً سانحة أمام الطلاب الإماراتيين الساعين لتحصيل علومهم في جامعات وأكاديميات روسيا، وهي معروفة بعراقة دراساتها، في كافة مناحي العلوم، سواء كانت علوماً تجريدية أو تطبيقية وطبيعية، وخاصة أن العديد من الكفاءات الإماراتية، ومنذ ستينيات القرن الماضي، قد تلقت علومها وتخرجت في الجامعات الروسية، وتلعب حتى الآن دوراً فعالاً في خدمة مشروعات التنمية في الدولة. برنامج سفراء الشباب من أوجه التعاون الثقافي البنّاء برامج التبادل الشبابي بين الإمارات وروسيا ما يعرف تحديداً باسم «برنامج سفراء الشباب»، الذي بات اليوم قنطرة تواصل مع الثقافة الروسية وحضارتها الرائدة، كما أنه يفتح الطريق ويتيح الفرصة أيضاً أمام الكفاءات الروسية الشابة للتعرف على حضارة العرب العريقة، ما يشكل جسراً من الصداقات ويفتح الأبواب أمام بناء علاقات إنسانية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. وتستدعي الذاكرة هنا من دون شك تلك الأمسيات الرائعة لمهرجان الموسيقى الروسية الذي أقيم في أبوظبي مطلع عام 2020. فقد جرت وقائع نحو أربعة عشر حفلاً موسيقياً روسياً، شاركت فيها نخبة من مبدعي الموسيقى الكلاسيكية، وبمشاركة موسيقيين شباب روس قدموا أنفع وأرفع ما في المنجز الثقافي الروسي، والموسيقى هي لغة الفن التي تجمع الشعوب المختلفة على وحدة التوجه الإنساني والتعاون الثقافي الخلاق.

مشاركة :